هناك تقليل من أهمية وقيمة «الممثل» عندما يستبدل أهل المهنة الإعلامية بها كلمة «الفنان»، فتقرأ مثلا «وقد شارك في بطولة العمل الفنان...». كما لو أن كلمة «الممثل» عوض كلمة «الفنان» هي تقليل من موقعه ومركزه.
هناك شقان لهذا الموضوع، وكلاهما يشترك مع الآخر في تأسيس دعائمه: الإعلام وأهل الفن.
بالنسبة للإعلام، فإن السائد هو استخدام كلمة «فنان» أو كلمة «نجم» لوصف الممثل، صغيرا كان أم كبيرا. وفي حالات متكررة، يجري استخدام الكلمتين معا كما لو أن الخطأ الواحد لا يكفي، فإذا بالخبر يأتي على هذه الصورة؛ «وقد حضر العرض النجم الفنان... تصاحبه النجمة المحبوبة...». هذا من قبل استخدام كلمة «الكبير»، فهذا المخرج كبير، وذلك المنتج كبير، وذلك الممثل كبير، والكاتب الفلاني كبير... كلهم ما شاء الله «كبير»؛ فمن الصغير إذن؟
الشق الثاني لا يقل أهمية، فأهل المهنة يدركون أن الغاية هي التفخيم، ويرون أنفسهم في موضع القبول لأنهم يستحقونه. كيف يمكن لصحافي أن يقول عن ممثل معين إنه نجم، وعنه هو مجرد ممثل؟ وإذا ما كانت كلمة ممثل لا تليق، فلم يقدم الممثل على هذه المهنة أساسا؟ إذا لم يكن يحترمها فلماذا يتجنّبها؟ افتح المراجع الأجنبية، هل تجد مثلا عبارة مثل «ولد الفنان الكبير أنطوني هوبكنز في بريطانيا...» أو «النجمة الكبيرة صوفيا لورين مثلت أول فيلم لها سنة...»؟ طبعا لا.
هل هو في المهنة لكي يفعل شيئا آخر غير التمثيل؟ وهل الكاتب في المهنة تستر على مهنة أخرى؟ أو أن المخرج لديه ممارسات واهتمامات ومشاغل أهم وأرقى من عملية الإبداع الموكلة إليه ولا يرضى لاسمه أن يذكر إلا مصحوبا بكلمة كبير؟
وأنت لم تعد تجد هذه الأوصاف حكرا على الأخبار والتعليقات الصحافية، بل باتت مقروءة ومنذ حين، في النقد السينمائي. ذات مرة، علق ناقد علي كوني أرفض استخدام كلمة «كبير» في وصف معظم مخرجي العالم وليس المخرجين العرب. وهناك الكثير من النقاد الذين يستخدمونها للدلالة على أهمية وحجم المخرج الذي يتداولون الحديث عن فيلمه، كما لو أنهم يشعرون بأن أفضل وسيلة للتقرب إلى مستواه هو تفخيمه لأن الناقد لن يكتب عن مخرج «صغير». فما الحجم الذي على المخرج أن يبلغه قبل أن يستحق كلمة كبير؟ وكيف يمكن أن تثق بناقد يداوم استخدام هذه الكلمة؟ كيف يمكن أن تقبل نقده للعمل السينمائي الذي يقوم بالكتابة عنه إذا ما حشر الكلمة المذكورة في تعريفه بالمخرج.
نعم، هناك مخرجون كبار أمثال: الياباني أكيرا كوروساوا، والبريطاني ألفرد هيتشكوك، والمصري كمال الشيخ، والإيطالي فديريكو فيلليني، والأميركي آرثر بن، لكن الكبر الناتج عن الأهمية يختلف من مخرج لآخر، لدرجة أن المسألة برمـتها تصبح نسبية. إذا كان المخرج كبيرا، فإن ذلك حدث لأن فيلمه أو مجموعة أفلامه هي الكبيرة بطروحاتها الفنية (وليس القصصية، فكل واحد منا يستطيع أن يسرد حكاية). من ثم، فإن الناقد عليه أن يبين قيمة العمل ومن خلاله قيمة المخرج وليس العكس.
كذلك الحال مع الممثل. الممثل أهم من «النجم» حتى وإن كان مشهورا وهو أكثر تخصصا من الفنان. هو فنان بالضرورة، لكن ليس كل فنان ممثل. كفى تشويها للمفاهيم الصحيحة سعيا وراء الشعور بالفخر المزيف. قيمة المرء، في أي مهنة من مهن الدنيا، هي من قيمة أعماله وعليها فقط الحكم عليه. أما الإعلام، فعليه أن يلتزم بمبادئ المنطق وليس بالمصلحة والعاطفة.
8:9 دقيقه
TT
باشاوات الفن
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
