مع تأرجح عدد متزايد من الأسواق الناشئة على حافة الأزمة، صرنا نسمع المزيد ثم المزيد عن «الخطيئة الأصلية».
كلا، لا يتعلق الأمر بما ارتكبه آدم وحواء في قديم الأزل. بل إن المفهوم، الذي صاغه خبيرا الاقتصاد باري أيشينغرين وريكاردو هاوزمان، يشير إلى عجز أغلب الدول -ومؤسساتها- عن الاقتراض من الخارج بالعملة المحلية. بدلاً من ذلك، فإنهم يقترضون بالضرورة بالعملات الأخرى الأجنبية.
وتركيا، على سبيل المثال، قد تراكمت لديها ديون كثيرة بالدولار الأميركي. ومع انهيار الليرة التركية بالنسبة إلى الدولار الأميركي، فإن هذه الديون تزداد بمرور الوقت صعوبة سدادها، الأمر الذي يغذي الأزمة، ويشجع المستثمرين على الفرار من البلاد، مما يزيد من سوء الأوضاع الراهنة.
وعلى المستوى السطحي، فإن الدرجة التي تعبر بها الدولة عن الخطيئة الأصلية تعرض طريقة جذابة للغاية للتنبؤ بالاقتصادات الأكثر عرضة للأزمات. ففي خاتمة المطاف، إذا كانت الدولة تعتمد على الديون التي تهيمن عليها العملة الأجنبية، فمن المحتمل التعرض للانهيار الاقتصادي بسبب التقلبات في أسعار صرف العملات.
غير أن التاريخ لا يؤيد هذه الرؤية في واقع الأمر. كما خلص إلى ذلك اثنان من المؤرخين الاقتصاديين اللذين درسا التاريخ الطويل للخطيئة الأصلية، فإن الاعتماد الكبير على التمويل الأجنبي للديون طويلة الأجل لا يؤدي في حد ذاته إلى التنبؤ بالكثير من الأمور عندما يتعلق الأمر باحتمال أن تتحمل دولة من الدول وقوع الأزمة المالية في اقتصادها الوطني.
وقبل عام 1914، على سبيل المثال، اعتمد الكثير من البلدان بشدة على الديون المقوّمة بالعملات الأجنبية، أو الديون التي احتوت على «بند الذهب» الذي حال فعلياً بين المقترضين وبين تحويل الديون إلى أموال نقدية سائلة. وهذه البلدان، على الرغم من أنها متشابهة في الظاهر من حيث الاعتماد المفرط على الديون الخارجية، لم ينتهِ الأمر بها إلى الوقوع في المشكلات. وفي هذه الدراسة على وجه التحديد، على سبيل المثال، خلص الباحثون إلى أن بعض البلدان ذات المستويات المرتفعة للغاية من الخطيئة الأصلية -مثالاً بالولايات المتحدة، فضلا عن جنوب أفريقيا، والنرويج، وفنلندا، وأوروغواي، وبلدان أخرى- قد عانت بالفعل من أزمات أقل بكثير من البلدان ذات المستويات المنخفضة من ارتكاب الخطيئة الأصلية: وهي الأرجنتين، وروسيا، وغيرهما من البلدان التي وصفها الباحثون بأنها «مؤسسات مالية فاسدة ذات سجلات مالية دولية غاية في السوء».
وفي هذه الفترة المبكرة، لم تكن الخطيئة الأصلية مرتبطة فعلياً بأرجحية وقوع الأزمات. لكن ذلك كان في الماضي. فماذا عن الآونة الأخيرة؟ عرض مسح مستقل في نفس المقال لمستويات مقيّمة من الخطيئة الأصلية في تسعينات القرن الماضي نتائج مغايرة ولكنها على نفس القدر المخالف للمنطق السليم.
وفيه كانت البلدان ذات التاريخ المضطرب تحظى بنفس مستويات ارتكاب الخطيئة الأصلية مثل البلدان ذات السجل الجيد من حيث السداد. ومثلما توصلت نتائج الحقبة المبكرة، فإن هذا المسح يشير إلى مستويات مرتفعة من الخطيئة الأصلية والتي لا علاقة لها بإمكانية وقوع الأزمات.
وعلى العكس، لم تكن المستويات المنخفضة من الخطيئة الأصلية مرتبطة بالأداء الأفضل كذلك.
وعلى نحو مماثل، خلصت دراسة أخرى مستقلة إلى أن الاعتماد على الاقتراض بعملات البلدان الأخرى ضعيف الصلة بتاريخ ضوابط رؤوس الأموال، والتراخي في السياسات النقدية، والمشكلات المتعلقة بالسيولة المالية، ومستويات التضخم، وغيرها من إشارات وجود المشكلات.
فما الذي يعنيه كل ذلك؟ يشير التاريخ إلى أنه حتى لو كانت الأزمة الحالية في الأسواق الناشئة تظهر في حالات عدم التطابق في العملات التي تتأتى من الاقتراض من الخارج، فإن هذا مجرد عرض، وليس السبب الرئيسي. (وفي واقع الأمر، خلصت دراسة شاملة للديون السيادية إلى أن العملة الفعلية التي يجري تسعير الدين وفقاً لها لا يبدو أنها تحمل أي صلة باحتمالات التخلف عن السداد).
بدلاً من ذلك، ينبغي على المستثمرين مزيد من الانتباه والاهتمام بالمشكلات الأخرى التي تلحق بهذه البلدان بدلاً من الاعتماد على التمويل الخارجي بالعملات الأجنبية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»