د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

لكي لا تذهب تضحية المختار سدى

ماذا يقول العالم عن ليبيا الآن بعد مضي سبعة وثمانين عاماً عن استشهاد عمر المختار بشنقه على أيدي الإيطاليين؟
كيف حال ليبيا الآن، وقد عبثت بها أيدي الميليشيات ونهبت ثرواتها وأذلت أهلها، وفتحت البلاد على مصاريعها أمام التدخلات الأجنبية؟
كان موقف حاكم طرابلس الغرب وبرقة بادوليو حرجاً وصعباً، وهو الذي وعد سادته الفاشست باستسلام عمر المختار، ولكن استسلام المختار لم يتحقق والثورة لم تنته، فالمختار قال: نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت، فكان استشهاد المختار في السادس عشر من سبتمبر (أيلول) من العام 1931، ولم تمنعه 73 عاماً من العمر من محاربة الغزاة لوطنه حتى سقط عن ظهر فرسه، فالمختار معلم القرآن الذي تحول إلى محارب وبطل ورمز وطني، عاش وناضل وضحى من أجل حرية وطنه دون أن يثمن نضاله، أو يطلب مقابلاً له، لأنه كان خالصاً لله، وليس كما فعل بعض مطاريد (معارضي) القذافي اليوم بعد فبراير (شباط) 2011.
لقد عرف الأعداء المختار فارساً مغواراً شديد البأس، ومؤمناً مجاهداً في سبيل الله، فقال عنه عدوه ردولف غرسياني في كتابه «برقة المهدأة» Cirenaica Pacificataa «كانت نظرته ثاقبة وصوته نابعاً من أعماقه... كل كلامه عن الدين وعن الجهاد يدل بكل تأكيد أنه مؤمن صادق».
المختار حارب الغزو الإيطالي منذ دخوله أرض ليبيا عام 1911 وحتى استشهاده في 16 سبتمبر 1931، لأكثر من عشرين عاماً دون كلل أو ملل أو حتى تذمر، مما كان يلاقيه هو ورجاله من قوى عسكرية فتاكة كانت أول من استخدم الطائرة في الحروب وأول من أنزل الدبابة إلى الصحراء.
لم يكن جهاد عمر المختار بلا هدف، فقد حقق النصر في معارك كثيرة وألحق الهزيمة بجنرالات درسوا في أكاديميات عسكرية كبرى ومنهم الجزار ردولف غرسياني الذي كان برتبة فريق أول إلا أنه لم يهمل جانب التفاوض تفاوض الند للند، فلم تكن الحرب عنده غاية وقد قال عنه الكاتب الإيطالي كانيفاري عندما شاهد حضوره مفاوضات السلام في سيدي أرحومة حضور الفارس فقال: «وصل عُمر المُختار إلى مكان الاجتماع محاطاً بفرسانه كما يصل المُنتصر الذي جاء ليملي شروطه على المغلوب»، ولعل في طلب عمر المختار مراقبين من مصر وتونس على الاتفاق أكبر دليل على أنه كان يسعى إلى تدويل القضية الليبية، وليس هو ورجاله مجرد جماعة متمردة وأنه شأن إيطالي داخلي كما كان بادوليو حاكم ليبيا العام يروج له.
استمر عمر المختار ورفاقه في طريق الجهاد من معركة إلى أخرى، ومن كهف لآخر مروراً بالجبال والوديان وحتى حين خاض غرسياني حرب الإبادة لسكان برقة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في البشاعة لينتقم الجزار من القبائل التي ساندت المجاهدين وليمنع المعونة والمدد عن الثوار، فحوصر المختار ورجاله في الجبال إلى أن تم أسره والبندقية في يده فأُسر الشيخ الأسد مكبلاً ولم تشفع له شيخوخته في فك الوثاق الذي أدمى يديه ورجليه.
كان المختار قوياً شامخاً عزيزاً حتى في الأسر وفياً لصحبه وكانت حرقة ألم لفقدان رفيق سلاح وبطل أشم، كالتي شعر بها حين فراق الفضيل بوعمر وأبو مطاري وغيرهما الكثير.
لقد جاهد وناضل عمر المختار من أجل دينه ووطنه، فهل يعِي هؤلاء المتربصون بوطنهم حجم الأخطار التي يواجهها هذا الوطن، في ظل هذا الخراب الذي أحدثوه؟