نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تقريراً لمارتن شلوف عن اللاجئين في إدلب الذين ينتظرون الهجوم عليهم ولا مكان للفرار.
وأكدت الصحيفة أن إدلب، الواقعة في شمال غربي سوريا، والمحاصرة من جميع الجهات، ويعيش فيها نحو 3 ملايين شخص، تتوقع هجوماً عسكرياً لا مفر منه على يد القوات الروسية التي تسعى لتحقيق النصر واستعادة آخر المعاقل الرئيسية للمسلحين. وأكد التقرير أن روسيا حشدت بوارجها الحربية في منطقة شرق المتوسط، وواكبت ذلك استعدادات لدول أخرى حول إدلب؛ إذ أرسل الجيش التركي قافلة مسلحة إلى العمق السوري، وتمركزت الميليشيات المدعومة من إيران في الجنوب، ووضع الجيش السوري على أهبة الاستعداد. وأردفت الصحيفة أن لجميعهم حصته في هذه المعركة التي ستكون الأخيرة لصراع هز بنية البلاد والذي قد ينتهي بإعادة ترسيم لحدود سوريا.
ما نشهده اليوم في سوريا هو سياسة روسية هجومية اتبعتها في سوريا منذ عام 2015، وانكفاء أميركي أمامها لم تشهده هذه الدولة منذ الحرب العالمية الثانية.
سوريا المنكوبة يُجرب في شعبها أحدث أساليب القتل والتهجير والتشريد والتجويع على مرأى ومسمع من كل دول العالم منذ عام 2011 حتى الآن، وما بقي من إنسانية، ومنظمات دولية عاجزة يستغيث بعضها ويصرخ بعضها الآخر ويتواطأ القليل منها.
لقد تدخل الروس في سوريا عام 2015 تحت ذريعة محاربة إرهاب «داعش»، وقد نسقت روسيا في البداية تدخلها مع الولايات المتحدة لتفادي أي مواجهات للمقاتلات العسكرية الروسية والأميركية.
من أهم أسباب تفاقم الأزمة السورية على مدى 7 سنوات، تدخل القوى الكبرى؛ وتحديداً روسيا والولايات المتحدة، حيث ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثقل روسيا وراء النظام، الذي بلغ مداه بالتدخل العسكري الشامل عام 2015.
التدخلات الروسية والأميركية في سوريا ليس الهدف منها محاربة الإرهاب كما يدّعون، فهم مدفوعون في المقام الأول بمصالحهم الذاتية وتنافسهم على القوة والنفوذ في المنطقة، فالرئيس بوتين مصمم على استعادة مكانة روسيا دولياً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وعلى مقاومة اعتبار أميركا والغرب أن روسيا ليست إلا قوة إقليمية.
واضح أن الدور الروسي في سوريا جعل منها قوة على نطاق الشرق الأوسط، وملأت الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة تحت إدارة أوباما.
السؤال: لماذا تراجع دور أميركا والدول الغربية في المنطقة؟ هنالك أسباب كثيرة، لكن من أهمها تنامي الإرهاب في المنطقة الذي أسهم في تعميق أزمة النظام الديمقراطي الغربي، لأنه أتاح ذريعة لتفسير التراجع عن القيم الإنسانية الجوهرية التي لا تقوم لهذا النظام قائمة من دونها، فتخلت معظم الدول الغربية عن أهم المقومات الإنسانية للنموذج الديمقراطي عندما أغلقت حدودها أمام المهاجرين السوريين، وتخلت عن مواقف كانت تتبناها في شأن الأزمة السورية، وذلك في سلوك لا سابقة له في تاريخ الحروب الداخلية والحروب بالوكالة في العصر الحديث.
السؤال: لماذا كل هذا التدخل والتكالب العالمي على سوريا وشعبها، وما مدى تداعياته على جهود التسوية؟
تنبع أهمية سوريا من موقعها الجغرافي؛ حيث تحتل قلب المشرق العربي، وهي مجاورة لثلاث دول عربية؛ هي العراق ولبنان والأردن، ودولتين غير عربيتين هما تركيا وإسرائيل؛ اللتان تعدّان من أقوى دول المنطقة عسكرياً. بالنسبة لموسكو، تمثل سوريا حليفاً لها منذ الاتحاد السوفياتي السابق، حيث باشرت بكسر الاحتكار الغربي للتسليح في الشرق الأوسط. اليوم تتعاون موسكو مع كل من تركيا وإيران لدعم نظام بشار الأسد ومنع سقوطه وتأكيد استمراره في الحكم.
الولايات المتحدة تخلت عن مبادئها لعدم مقدرة النظام الديمقراطي على تجديد نفسه وتوسيع نطاق تفاعلاته لاستيعاب المستجدات الجديدة... كل ما يهم الولايات المتحدة تحت رئاسة ترمب هو حماية مصالحها ومصلحة إسرائيل وتوسع هيمنتها. الوضع في سوريا يزداد تعقيداً بعد تهديدات أميركا بالتدخل في حال استعمال الأسلحة البيولوجية في إدلب، ومزاحمتها النفوذ الروسي.
ما نتخوف منه هو استمرار المأساة السورية، والفشل في فرض تسوية سياسية، مما سيعود حتماً بأفغنة سوريا واستمرار الحرب... وزيادة مأساة الشعب السوري.
TT
استمرار المأساة السورية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة