د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

حماس وهدنتها مع إسرائيل

ليست هناك نار بغير دخان، الهدنة المزمع توقيعها بين حماس وإسرائيل متوقعة لا محالة، خصوصاً أن حركة حماس تحاول بكل الطرق ومهما كان الثمن أن تعطي نفسها دوراً أكبر من حجمها الطبيعي على الساحة الفلسطينية على حساب سكان غزة ضحايا هذا الدور المقلوب على أمرهم، فتزج بالأطفال والنساء في القيام بأعمال لا ترتقي إلى مستوى النضال الوطني، ومن قبل دخلت مع إسرائيل في حرب كانت نتيجتها الخراب والقتلى والأسر المشردة لأهل غزة، وتحاول الآن أن تتنطط على الحبال أكثر بإقامتها هدنة مع إسرائيل، وجعل نفسها أداة لمن يريد أن يتدخل في شؤون الفلسطينيين، فتفتح الباب على مصراعيه لإيران، ومرة تتحالف مع قطر وأخرى مع تركيا؛ الدول الراعية للإخوان المسلمين أينما كانوا.
وها هي حركة حماس في هذه المحاولة تذهب إلى أبعد من كل ذلك وترفع السقف لكي تقيم هدنة مشكوكاً فيها مع إسرائيل، مقابل مساعدات إنسانية تسعى من ورائها إسرائيل إلى التصيد في المياه العكرة بين الفصائل الفلسطينية وتمرير مؤامراتها المشؤومة وإنهاء القضية الفلسطينية. وعرضت إسرائيل على حماس بناء ميناء لها ورصيف في قبرص ومطار في إيلات، حسبما صرح به مصدر في منظمة التحرير الفلسطينية.
ليس هناك إلا هدف واحد من وراء هذا الاتفاق، وهو أن حماس تريد أن تجعل من نفسها هي رائدة النضال الفلسطيني، لكي تسحب البساط من تحت أقدام منظمة التحرير الفلسطينية، وخصوصاً فتح، ولذا فإن المصلحة الحزبية هي التي تحرك «حماس» وليس المصلحة الوطنية لأن الوحدة الوطنية وتنفيذ الاتفاقيات مع فتح هو الذي يصب في المصلحة الوطنية، بينما صك هدنة مع إسرائيل يصب في خانة المصلحة الحزبية الضيقة، وهو مشروع تصفوي شبيه بروابط القرى الخيانية... «حماس» ليس لديها شيء تخسره، فهي انكشفت حتى عند مناصريها من أهل غزة.
«حماس» تريد من الجميع أن ينصاع وراءها، ولكنها لا تنصاع وراء أي مشروع لإخوتهم الفلسطينيين، إنكم عندما تم توقيع اتفاقية أوسلو ورغم ما فيها من نقائص فإنها كانت تقرب الطريق لقيام الدولة الفلسطينية ووقفتم بكل الوسائل ضد هذه الاتفاقية. أما علمتم أنكم عندما أقمتم دويلة في غزة، حتى أصبحت غزة كالقفص الذي سهل لإسرائيل تصفية أغلب القيادات من حماس؟
أرى أنه من غير المنطقي الحديث عن اتفاقيات إسرائيلية مع هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك بمعزل عن الشرعيات الفلسطينية المفترضة، لما يحمله ذلك من مخاطر جمة على الكل الفلسطيني، ولما يعنيه ذلك من محاولات الاحتلال الاستفراد بهذا الطرف أو ذاك.
لم تبقَ أوراق رابحة بيد قادة «حماس»، فلقد سقطت كل أوراقها الرابحة، والدليل على ذلك أنها فقدت جماهيرها ومؤيديها من الشعب الفلسطيني والعربي عموماً، وهي تمد يدها إلى إيران وقطر وتركيا، وهذه الدول نفسها تبحث عمن ينقذها من المستنقعات التي أوقعت نفسها فيها؛ قطر بدعمها للإرهاب لديها أزمتها الخانقة مع الدول الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين، وإيران وقعت في المستنقع السوري بخلاف مشكلاتها بالداخل، وتركيا لديها أزمتها مع أميركا وهبوط عملتها.
«حماس» يهمها وجودها كمنظمة تحكم غزة ولا يهمها مصالح الشعب الفلسطيني، يا لها من مفارقات... حماس التي كانت في السابق ترفض كل أشكال الاتفاقيات مع إسرائيل، ها هي اليوم ترمي بنفسها في حضن إسرائيل... حقاً عش دهراً ترَ عجباً.