سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

«السم» القطري يصل أستراليا

فضيحة قطرية جديدة وافتنا بها الصحيفة اللندنية «صنداي تايمز» أمس، حيث كشفت عن وثائق سرية تشير إلى أن الدوحة دفعت الملايين من الدولارات للتخريب على منافسيها في سعيها لاستضافة كأس العالم 2022، من خلال ما أطلقت عليه الصحيفة «العمليات السوداء»، مضيفة أن وثائقها تشير إلى أن عملاء سابقين لوكالة المخابرات المركزية وشركة علاقات عامة وُظفوا في حملة «ألاعيب قذرة» ضد الولايات المتحدة وأستراليا كسرت قواعد «الفيفا». بالطبع، ما فعلته قطر من فساد غير مسبوق في المنافسة على استضافة كأس العالم يُمثل انتهاكاً صارخاً للقواعد الموضوعة من قبل «الفيفا» للدول المُتنافسة. وبعيداً عن ما إذا كانت هذه التسريبات ستزيد الدعوات إلى سحب أحقية قطر في استضافة كأس العالم، فإن ما قامت به الدوحة ليس سوى إحدى أدواتها التي لا تستغني عنها لتنفيذ سياساتها، عبر استخدام المال القذر لتحقيق أهدافها؛ لا يهم إن كانت تطرق البيوت من أبوابها أم لا، المهم أنها ترى المال وحده كافياً لتحقيق مبتغاها، سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية.
لا أعتقد أن أحداً متفاجئ من الفضيحة القطرية، فما هي إلا حلقة من مسلسل فساد استضافة البطولة الأشهر عالمياً، بل لا أظنها أكبر وأعظم من الفضيحة التي أعلنت عنها شبكة «بي بي سي» قبل أسبوعين، بأن قطر دفعت أكبر فدية في التاريخ لجماعات إرهابية؛ المبدأ واحد والتفاصيل متغيرة، والوسيلة في نهاية الأمر هي المال، الذي دائماً تظن قطر أنها قادرة على فعل كل ما تريد ما دامت تملكه، في سبيل إشاعة الفوضى وتحقيق مآربها.
يقول تقرير «صنداي تايمز» المشار إليه إنه استناداً إلى رسائل البريد الإلكتروني، قامت قطر «بتوظيف صحافيين ومدونين وشخصيات أخرى لإثارة الروايات السلبية، والتجسس على المنافسين، ونشر تقارير استخباراتية حول شخصيات مهمة، وإشعال فتيل احتجاجات شعبية»، وهذه بالضبط اللعبة التي تبرع فيها الدوحة، بتوظيف الإعلام المتواطئ لضرب خصومها بتقارير مختلقة وكاذبة ومزورة. وإذا كانت الصحيفة اللندنية قد كشفت عن الوسائل القطرية السوداء في ضرب خصومها لاستضافة كأس العالم، فإن هذه المنطقة تحديداً عانت أشد المعاناة من السياسة القطرية التخريبية المعتمدة على ثنائية المال القذر والإعلام المتواطئ طوال أكثر من عقدين من الزمن.
في تقديري، فإن قضية الفساد في استضافة بطولة كأس العالم على خطورتها، وانعكاسها على اللعبة الشعبية الأولى، أهون بكثير من الكارثة القطرية الكبرى المتمثلة في تمويل الجماعات الإرهابية تحت عباءة الدولة، من بوابة «الإخوان المسلمين» تارة، وإطلاق سراح صيادين تارة ثانية، والصفقات السياسية تارة ثالثة، وتفريغ المدن من سكانها الأصليين تارة رابعة. وهكذا، فإن المال القطري الوفير لم يفسد الرياضة فحسب، وإنما تسبب بقتل الملايين وتشريدهم تحت مرأى العالم ومسمعه.
يبقى أخطر ما أشار له تقرير الصحيفة البريطانية ما أظهرته الرسائل الإلكترونية التي تم تسريبها، والتي أرسلت إلى نائب رئيس اللجنة القطرية المنظمة، بأن قطر كانت على علم بمؤامرةٍ لنشر «السم» ضد خصومها الرئيسيين، حتى إنهم جهزوا قراراً للكونغرس الأميركي حول الآثار «الضارة» لكأس العالم في أميركا في أسبوع التصويت؛ وهنا مربط الفرس: السم القطري، الذي نشره النظام في الدوحة ضد أصدقائه كما خصومه، حلفائه كما أعدائه، لا أحد من الحلفاء أو الأصدقاء يدري متى ستأتيه لسعة السم تلك، فإذا كان النظام يغدر بأقوى دولة في العالم، لها قاعدة عسكرية كبرى في بلاده، أفلا يفعلها بجيرانه؟!