ظن النظام الإيراني أن الحلم الإمبراطوري الصفوي الذي كان يحلم به الخميني سوف يتحقق، وأخذ بالتوسع في الدول المجاورة تحت دعوى نشر الثورة الإيرانية، ونصرة المستضعفين في العالم. وإن كانت هذه الدعوى وجدت صدى لها في عدة بلدان، مثل لبنان والعراق وسوريا واليمن، فإن هذا التوسع أصبح على حساب قوة إيران، فها هي آخذة في الضعف في الداخل، والانحسار في الخارج. فالمظاهرات تعم المحافظات الإيرانية، والعملة الإيرانية وصلت إلى مستوى متدنٍ، وفي الخارج أصبحت إيران منبوذة من المجتمع الدولي نتيجة تدخلها السافر في شؤون الدول الأخرى، والانحسار الإيراني أصبح واضحاً في سوريا، حيث إن الدخول الأميركي على الخط في الحرب في سوريا سيحد من النفوذ الإيراني، وربما قد يؤدي ذلك إلى انسحاب إيران من سوريا كلية، إذا ما توافق الموقفان الروسي والأميركي على مصير النظام السياسي في سوريا، إضافة إلى أن الميليشيات الإيرانية في سوريا تتلقى الضربات الإسرائيلية المتكررة.
والمحور الثاني الذي يدل على توقع انحسار النفوذ الإيراني في اليمن الهزائم العسكرية التي لحقت بالحوثيين، التي بدأت بالحديدة، وفي صعدة. ومن هنا، لن تجد إيران موطئ قدم لها في اليمن، ويمكن أن تتخلى عن الحوثيين، لأن ليس لها مصلحة في البقاء في اليمن، حيث أكدت مصادر المعارضة الإيرانية أن التقرير الأمني الإيراني يتوقع هزيمة الحوثيين عسكرياً مع مرور الوقت، بدعم دولي، أو إجبار الحوثيين على أن تكون هناك مفاوضات سياسية لحل سياسي لا يكون لإيران أي دور مستقبلي فيها.
والتقرير أشار إلى تنامي اهتمام الأسرة الدولية بإنهاء ملف الأزمة اليمنية، وهو ما يثير قلق النظام الإيراني من أن شيئاً كبيراً يحضّر ضد إيران في اليمن قبل نهاية العام الحالي (2018). ومنذ أيام كان هناك لقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الوجود الإيراني في سوريا. وترمب يعلم أن امتلاك إيران صواريخ وترسانة أسلحة يمكن أن يشكل خطراً على المنطقة. فإذا كانت الولايات المتحدة تصنف «حزب الله» على أنه منظمة إرهابية، فما بالنا بإيران التي أصبحت قريبة من إسرائيل.
إن أبسط محلل سياسي أو عسكري يدرك أن الوجود الإيراني في سوريا يشكل خطراً، وكلنا نعرف أن الضربات العسكرية التي تلقتها القوات الإيرانية في سوريا، وقتل فيها اثنان وعشرون جندياً إيرانياً، وتم التعتيم في بعضها على مصدرها، ما هي إلا رسالة من الرسائل التي تبعث بها إسرائيل لتعرفها بخطورة وجودها في سوريا.
إن إيران اليوم تسارع الزمن لأنها تعلم علم اليقين أنه بنهاية هذا العام، ستكون نهاية وجودها في سوريا، لأن الأحداث تتجه إلى هذا النحو، ويبدو هذا واضحاً من التحرك الأميركي الروسي.
من جهتها، يبدو أن إيران تتجه إلى سياسة كانت تتبعها أميركا بعد هزيمتها في فيتنام، فالرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون قال بعدها: بدل أن ترسل أميركا جيوشها إلى مناطق القتال، وتتعرض للهزائم، تسحب هذا الجيش. وترك لها موالين وطابوراً خامساً يحفظ مصالحها. وها هي إيران لها في لبنان من يحفظ مصالحها، وهو «حزب الله»، وفي سوريا لديها النظام النصيري، المتمثل في بشار الأسد، وفي اليمن لديها الحوثيون، وفي البحرين لديها خلايا الأشتر، وفي العراق لديها حزب الدعوة، بخلاف الطابور الخامس الموجود في أكثر من دولة عربية وإسلامية، تمدهم بالمال والسلاح والمستشارين العسكريين؛ هذا هو السيناريو المتوقع بعد أن اهتزت عروش النظام الإيراني، وإن غداً لناظره قريب!
TT
إيران بين غضب الداخل ونبذ الخارج
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة