مر قرابة العامين على تصويت المملكة المتحدة لصالح الخروج من منظومة «الاتحاد الأوروبي»، ولم يظهر خلال تلك الفترة ما يوحي بإجابة للسؤال المثار حول معنى ذلك الخروج.
دعونا نسترجع الخلاف الأخير الذي نشب بسبب «بريكست» والذي كان سبباً في شجار علني بين أعضاء حكومة تريزا ماي أثاره الخلاف حول مستقبل التجارة مع أوروبا. فبالنسبة إلى الكثيرين من أنصار «بريكست»، فقد بات الجدال اختباراً لجدية المملكة المتحدة، وما إذا كانت ستترك الاتحاد الأوروبي حقاً أم أنها تدّعي ذلك.
في الحقيقة، ليس هذا بالخلاف المهذب. فكلمات مثل «مجنون»، و«متخلف»، و«معتوه» جميعها صفات سمعناها مؤخراً من ثلاث شخصيات قيادية في حزب المحافظين الذي ترأسه ماي، اثنان منهما من الوزراء، سمعناها في وصف خيارها لحل المشكلة. وانطوى ذلك المستوى من النقاش على تهديد مبطن بالقيام بانقلاب ضدها حال أصرت على رأيها.
كان ضمن الوعود المهمة التي تقدم بها معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي، هو أنه يتعين أن يكون للمملكة المتحدة كامل الحرية في إبرام اتفاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة وكندا والهند. لكن ذلك لن يكون مسموحاً به حال قررت المملكة المتحدة البقاء في اتحاد جمركي واحد مع الاتحاد الأوروبي الذي يفرض عدداً من التعريفات على الواردات القادمة من خارج الاتحاد.
ولذلك، فمن خلال وجهة نظر المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي، ففي حال قررت المملكة المتحدة البقاء في الاتحاد، فسيكون «بريكست» عديم الفائدة. وبأي معيار من المعايير، في حال قررت الخروج بالكامل، فستكون التجارة أكثر كلفة وصعوبة.
جاءت التهديدات لماي من المتشددين من أنصار «بريكست»، أي الذين يسعون إلى الخروج الكامل والابتعاد عن قوانين ولوائح الاتحاد الأوروبي. ومن أبرز من صدرت عنهم التهديدات وزير الخارجية بوريس جونسون، ووزير البيئة مايكل غروف. ويعتمد نهجهم المفضل على استخدام التكنولوجيا لتقليل السيطرة على الجمارك داخل الاتحاد الأوروبي، ويعتمد ذلك النهج على إجراءات مثل نظام «التجارة الموثوق» لضمان استمرار التدفق التجاري، ويطلقون على هذا النوع من التجارة اسم «أقصى تسهيلات». ويقول المنتقدون إن التفاصيل بالغة التشوش وإن إمكانية «التجارة السلسة» نظرة متفائلة أكثر من اللازم، وإن تنفيذ ذلك قد يستغرق سنوات.
وقد اقترح مؤيدو «بريكست» الأقل شراسة في «حزب المحافظين» مثل فيليب هاموند، عقد «شراكة جديدة في الجمارك» تحصل المملكة المتحدة بمقتضاها على تعريفات الاتحاد الأوروبي للبضائع الموجهة إلى القارة والعكس. لكن كيف لذلك أن يكون بهذا التعقيد؟ إن أنصار «بريكست» المتشددين الذين يرون مقترحات وزير الخزانة على أنها حصان طروادة يحذرون من أنها ستتطلب تقاضياً في محكمة العدل الأوروبية البغيضة والكثير من المواءمة التنظيمية.
أُثير كل ذلك الجدل حول خطط استبعدها الاتحاد الأوروبي بالفعل. فمن منظور الاتحاد الأوروبي، فأنت إما داخل وإما خارج الاتحاد الجمركي. فإن كنت خارجه، فسوف تعود عملية التفتيش إلى الحدود مجدداً.
من المقرر أن يلتقي أنصار ماي الثلاثاء المقبل. وقد أفادت التقارير بأنهم سيجتمعون للموافقة على خيار ثالث في محاولة لتخفيف القلق الذي يعتري كل طرف من الأطراف. فإذا خرجوا جميعاً من الاجتماع وهم راضون، فسوف يعني ذلك أن جانب «المراوغة» من «بريكست» لم ينتهِ بعد.
كان لذلك الجانب المراوغ فائدته بالنسبة إلى ماي، حيث حافظ على القشرة الخارجية لكي يبدو حزب المحافظين متماسكاً وليعطي الانطباع بأن الأمور في تطور. لكن الوقت الآن يمر قبل أن تخرج المملكة المتحدة رسمياً من الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) 2019. وبحلول أكتوبر (تشرين الأول)، من المفترض أن تتفق الأطراف على عدد من القضايا، من ضمنها الترتيبات الجمركية وشروط الفترة الانتقالية والخطوط العريضة للشراكة الجديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ربما أن الأهم هنا هو أنه من دون اتفاق على العلاقة الجمركية سيكون هناك حد سياسي ملموس ومشاكس يفصل بين جمهورية آيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وآيرلندا الشمالية التي تعد جزءاً من المملكة المتحدة. لكن قضية الحدود انطوت على قدر من الخداع بإعطاء وعد بأنها ستستمر مفتوحة إذا اقتضت الضرورة، وذلك بالإبقاء على آيرلندا الشمالية في حالة «مواءمة» مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يبدو أمراً بغيضاً لغالبية الساسة البريطانيين لأن من شأن ذلك أن يضع حداً ملموساً على الأرض داخل المملكة المتحدة نفسها.
هذا هو الأمر الشائك في «بريكست» لأن جميع تلك الأمور مرتبط بعضها ببعض. ولأن مفاوض الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، لا يكلّ ولا يملّ من المحاولة، فقد صرح بأنه «لن يجري الاتفاق على شيء إلى أن يتم الاتفاق على شيء».
وقد أشار بارنييه بلغة تنمّ عن التفاؤل، إلى أن المملكة المتحدة ربما تغير رأيها في أيٍّ من هذه الأمور، بما في ذلك نهاية المرحلة الانتقالية التي ستستمر حتى عام 2020، لكن على بريطانيا أن تقرر تغيير ذلك. ستستمر الخلافات التي تعطل سير العمل إلى أن يتبدد خوف أنصار «بريكست» من عضوية الاتحاد الأوروبي التي لا تنتهي أبداً.
لا يمكن لذلك أن يحدث إلى أن تخرج المملكة المتحدة من أوروبا، وربما يكون خروج المملكة المتحدة فوضوياً ومن دون ترتيب ومكلف إلى أن تدخل في حوار بنّاء عن نوع العلاقة التي ترغب فيها مع أوروبا.
إن لم تخرج حكومة ماي بخيار عملي، فحينها فسيضغط برلمانها (تميل الهيئات التشريعية في بريطانيا إلى البقاء داخل الاتحاد الجمركي)، أو سينفذ الاتحاد الأوروبي ذلك بأن يجعل باقي بنود الصفقة رهينة لديه. ولذلك أتوقع المزيد من المراوغة ربما بتمديد الفترة الانتقالية.
ما من أحد مستعد لأن يقول إن المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
7:37 دقيقه
TT
سؤال لم تجد بريطانيا له جواباً حتى الآن
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة