هناك بعض الألعاب الاستراتيجية التي يصعب وضعها في قالب محدد يمكن أن يقاس عليه. وفي العالم الحقيقي، عندما نرى مثل هذه الألعاب فإننا نصاب بقلق بالغ، وهذا هو رد فعلي تجاه الوضع في سوريا وما حولها.
فكر في الصراعات الظاهرة والمتداخلة التي تجري أمامنا. فالولايات المتحدة لم توجه ضربتها صباح السبت الماضي لمصانع الأسلحة الكيماوية بعد أن استخدم النظام تلك الأسلحة ضد مواطنيه في مدينة دوما فحسب، بل اشتعلت الأوضاع أيضاً بين إسرائيل وإيران.
ويبدو أن إسرائيل ضربت سوريا مؤخراً لتقليص مساعدتها لـ«حزب الله» المدعوم من إيران ولتبعث بإشارة واضحة إلى طهران. كان هناك حديث كذلك عن أن تركيز «حزب الله» في لبنان سوف يؤدي إلى اشتعال صراع آخر هناك. وكذلك اشتعلت الأوضاع في غزة مجدداً بعد أن تسبب الرصاص الإسرائيلي تجاه المظاهرات الفلسطينية بخسائر كبيرة. وعلى هامش تلك الصراعات، لم تعلن الإدارة الأميركية عن أن إيران التزمت بشروط الاتفاق النووي أو أنها قد تتخلى عن الاتفاق برمته، إضافة إلى أنه في إسرائيل تواجه حكومة بنيامين نتنياهو اتهامات فساد كبيرة.
والوضع بين إيران والسعودية يسوء، وبدا أن لحرب دعم الشرعية في اليمن أهمية بالغة، فالانقلابيون الحوثيون يطلقون الصواريخ الباليستية على المدن السعودية. ومرت السعودية مؤخراً بتغييرات كبيرة، حيث ظهرت السعودية الجديدة.
وهناك قصص أخرى عن تركيا وسياستها إقليمياً، وعن عدم رضا معظم الدول العربية والخليجية عن التغيير الذي جرى في قطر وسيرها في المدار الإيراني.
أيضاً، الولايات المتحدة على وشك إعادة تشكيل مجلس الأمن القومي، ربما ليميل أكثر تجاه الصقور، وليس هناك وزير خارجية مؤكد حتى الآن. أضف إلى ذلك محاولة الاغتيال الروسية باستخدام غاز الأعصاب التي نفذت في المملكة المتحدة.
هناك بعض الأحداث التاريخية التي يسهل وضعها في قوالب لتحديد نظرية سير اللعبة، مثل أزمة الصواريخ الروسية، وكثير من الحروب الباردة بالوكالة، وأزمة الأسلحة النووية في كوريا الشمالية. ففي تلك الصراعات من السهل ملاحظة أن عدد الأطراف ذات العلاقة قليل نسبياً، وأن لدى كل طرف قدراً من التماسك الداخلي.
ولكي تجد وضعاً مشابهاً للشرق الأوسط اليوم وفي ضوء كثرة الأطراف ذات العلاقة والكثير من العلاقات المتداخلة التي تربط بين السياسات الداخلية والخارجية، ينبغي علينا هنا العودة إلى الحرب العالمية الأولى.
فقد كان الوضع قبل تلك الحرب يتضمن كثيراً من العناصر الواضحة والمرتبطة بعضها ببعض والمتحركة؛ منها حل الإمبراطورية العثمانية، والزحف الإمبريالي لتكوين المستعمرات، وحرب ما قبل البلقان، وألمانيا الصاعدة الساعية للقمة إلى جوار بريطانيا العظمى، ونظام تحالفات غير مستقر، وإمبراطورية نمساوية مجرية غير مجدية، والسياسة الداخلية المعقدة في روسيا التي أدت في النهاية إلى الثورة البلشفية.
ماذا يمكننا أن نتعلمه من تلك الفترة؟ حسناً، حتى ولو كانت فرص الحرب كبيرة في تلك الفترة بحلول عام 1914، فإنه لم يكن من الواضح أن هجوم القوى المركزية على فرنسا وبلجيكا وروسيا كان سينفجر نتيجة للاغتيالات السياسية التي جرت في البلقان.
ورغم ذلك، فإنه في الأوضاع البالغة التعقيد، من الممكن أن تتسبب سلسلة ردود الفعل في أحداث صغيرة تتطور بعدها إلى تغييرات كبيرة.
إن لم يتم إدراك كيف أن عملية اغتيال سياسية واحدة لم تمثل أهمية كبيرة يوم حدوثها قد تسببت بمقتل الملايين لاحقاً وفي دمار أوروبا بأكملها، فتلك هي النقطة التي أعنيها. فإن لم يكن هناك نموذج محدد يمكن للمراقبين الرجوع إليه، فإن حدثاً سيئاً واحداً يمكن أن يمثل أهمية كبيرة لأسباب قد لا تكون ظاهرة في حينه. وهذا ما قد ينطبق على العالم العربي اليوم.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT
لعبة الحرب السورية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة