د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

تفاهمات باريس و المشهد الليبي

لقاء باريس بين المشير حفتر قائد عام الجيش الليبي والسراج رئيس المجلس الرئاسي في ضاحية باريس بوساطة فرنسية تقدمها الرئيس الفرنسي ماكرون قد يفضي إلى تفاهمات قد تكون منطلقاً لحلحلة الأزمة الليبية، هذا إن وجدت صدى عند جلساء مجلس السراج الآخرين، وخصوصاً أن بعض فريق السراج يضم من يدعمون بل ويجاهرون بدعم جماعات الإسلام السياسي، بل وحتى الجماعة الليبية المقاتلة التي لا تخفي ولاء وانتماءً لتنظيم القاعدة، ومجلس شورى بنغازي الإرهابي، ومجلس مجاهدي درنة، والتي طالتها التسمية في قوائم الإرهاب الدولية، وهذا سيكون الاختبار الحقيقي للسراج في التخلص من إرث الميليشيات، وليس بمسرحية دمجها جماعات وكتائب ضمن الجيش، فهذا لن يدفع نحو الحل وحلحلة الميليشيات ما لم يتم نزع سلاحها وانضمام الصالح والنابذ منهم للفكر الإرهابي أفراداً لا جماعات ولا كتائب، لأن التجربة السابقة التي خدع بها الإسلام السياسي العالم في 2012 بإدماج كتائب وميليشيات كاملة ككتيبة راف الله السحاتي التي ضمت إلى قائمة الكيانات الإرهابية، وكتائب الدروع الإخوانية التي سرعان ما أعلنت فك ارتباطها برئاسة الأركان وخاضت حرباً وانقلاباً إخوانياً على نتائج انتخابات البرلمان.
اجتماع باريس يمكن أن ينتج تفاهمات، ولكنه لن يحقق نتائج إلا بعد إثبات السراج قدرته على التصرف والحركة خارج قيد الميليشيات المسيطرة على طرابلس وليس إعادة تدويرها وإلباسها ثوباً عسكرياً.
تفاهمات باريس أفضت إلى العمل على تسهيل إمكانية خوض انتخابات في الربيع المقبل، ولكن دون الخوض في التفاصيل، وهي تبقى المعضلة الحقيقية، خاصة في ظل قانون انتخابي حالي، ومفوضية لا تزال تحمل إرث تنظيم الإخوان، مما سيجعل من الصعب القبول بنتائج تلك الانتخابات ما لم يتم تعديل القانون الانتخابي ونسب التمثيل العادلة بين الأقاليم.
تفاهمات باريس أفضت إلى توحيد المؤسسات السيادية؛ المصرف المركزي ومؤسسة النفط والاستثمار، وهي صناديق سيادية وطنية بسبب انقسامها عانى المواطن انهيار قيمة الدينار أمام الدولار في سابقة لم تحدث منذ 60 عاماً، ولكن يبقى توحيد المؤسسات هو الآخر اختباراً صعباً أمام السراج، وخصوصاً أن محافظ طرابلس المدعوم من تيار الإخوان، يلاحقه حكم قضائي من محكمة استئناف طرابلس بشأن شرعية ولايته، والذي سبق أن أقيل بقرار سيادي من البرلمان المنتخب وحكم قضائي واجب النفاذ، وهي معضلة ومخالفة قانونية صريحة قد تجعل السراج يبدو في أزمة قضائية، ليست الوحيدة، فاتفاقية السراج لمكافحة الهجرة غير الشرعية مع إيطاليا أبطلها القضاء بحكم قضائي، وهي التي تضمنت شبهة توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا مما يعني صداماً مع المؤسسة القضائية، بل قد تجعله يواجه العقوبة بسسب عدم الامتثال لأحكام القضاء.
تفاهمات باريس تحدثت عن وقف لإطلاق النار إلا في حدود مكافحة الإرهاب، والواقع أن ما يحدث الآن في ليبيا هو حرب على الإرهاب والمناصرين له ولا يمكن توصيفها خارج هذا التوصيف، لأن ما يحدث هو عودة للدولة وهيبتها التي نالت منها الفوضى الممنهجة، التي قامت بها جماعات الإسلام السياسي التي تسللت بعباءة الانتخابات فجعلت من بعض سكان كهوف تورا بورا، سكان فندق ريكسوس حيث مقر المؤتمر الوطني «المنتهية ولايته» والذين رفضوا تسليم السلطة لمجلس النواب المنتخب بعد فشل جماعة الإسلام السياسي في الحفاظ على الأغلبية البرلمانية، مما يشكك في احترامهم لأي انتخابات مقبلة. تفاهمات باريس رغم أنها جهد مرحب به وفرصة لحلحلة الأزمة الليبية إلا أنها تبقى عناوين في حاجة إلى الخوض في تفاصيل وآليات تنفيذ حتى لا يسكنها الشيطان.