ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

«سي آي إيه» وبرنامج «مناهضة الأسد»

ما الذي أنجزه برنامج المساعدة السرية التي قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) للمسلحين السوريين؟ من الغريب أن النتيجة الكبرى لهذا البرنامج تمثلت في المعاونة على دفع الروس نحو التدخل عسكرياً في سوريا عام 2015؛ الأمر الذي أنقذ الرئيس بشار الأسد ـ بمعنى تحقيق العكس تماماً من الهدف الذي أنشئ من أجله البرنامج.
في الواقع، تضيف سوريا فصلاً جديداً إلى تاريخ «سي آي إيه» المظلم والكئيب على صعيد العمل شبه العسكري. ورغم أن هذه الجهود كانت قد بدأت بهدف قيم يتمثل في منح الرؤساء خيارات أخرى بخلاف الحرب الشاملة، فإنها غالباً ما كان الحال ينتهي بها إلى خلق فوضى عارمة يشعر في إطارها المسلحون بأنهم «تعرضوا للغواية والخيانة» بتلقيهم وعوداً بدعم أميركي سرعان ما يتلاشى عندما تغير الرياح السياسية اتجاهها.
من جانبه، سلط أحد قادة المعارضة السورية في حديث دار بيننا الأخطار التي يواجهها رفاقه المسلحون حالياً. وقال: «إن الجماعات التي قررت التعاون مع الولايات المتحدة مستهدفة بالفعل من قبل المتطرفين، لكنها لن تكون قادرة الآن على الدفاع عن نفسها».
كانت الـ«واشنطن بوست» قد كشفت مؤخراً عن إنهاء برنامج سوريا، لكن الأقاويل حول هذا الأمر كانت قد بدأت منذ تولي دونالد ترمب الرئاسة. كان ترمب قد أعرب عن رغبته في العمل الوثيق على نحو أكبر مع روسيا بهدف إرساء الاستقرار في سوريا. وعليه، بدأ هذا البرنامج الذي يستهدف حلفاء موسكو غير متوائم مع هذه السياسة. أما سياسة البيت الأبيض تجاه سوريا فلا تزال مجرد مزيج من الافتراضات التي لم تتشكل تماماً بعد والأهداف المتضاربة.
ويحمل صعود وأفول برنامج العمل السري داخل سوريا عدداً من الدروس المفيدة حول هذا السلاح الدقيق داخل الترسانة الأميركية. وموجز القول إن البرنامج أنشئ في وقت متأخر للغاية بعد فوات الأوان، بجانب أن نطاقه كان محدوداً للغاية. واتسم هذا البرنامج بقوة كافية جعلت منه مصدر تهديد للأسد وسبباً للتدخل العسكري الروسي، لكنه في الوقت ذاته لم يكن بالقوة الكافية التي تكفل له النجاح. وربما الأسوأ من ذلك، أن المقاتلين المدعومين من «سي آي إيه» كانوا منقسمين على بعضهم بعضاً سياسياً، ومتداخلين على نحو كبير مع جماعات معارضة متطرفة؛ ما جعل من المتعذر على المسلحين طرح مستقبل سياسي مستدام للبلاد.
إلا أن ذلك لا يعني أن جهود «سي آي إيه» كانت دونما جدوى، فقد نجح البرنامج في ضخ مئات الملايين من الدولارات إلى عشرات الميليشيات. ويقدر أحد المسؤولين المطلعين أن المقاتلين المدعومين من «سي آي إيه» ربما قتلوا أو أصابوا 100.000 جندي سوري وحلفاء لهم على مدار السنوات الأربع الماضية. وبحلول صيف عام 2015، كان المسلحون على أبواب اللاذقية وكانوا يشكلون تهديداً لمعقل الأسد والقواعد الروسية هناك. أيضاً، كان المسلحون يمضون في طريقهم قدماً نحو دمشق.
وفي صيف ذلك العام، بدأ محللون لدى «سي آي إيه» في الحديث عن «نجاح كارثي»، يتمكن المسلحون في إطاره من إسقاط الأسد دون خلق حكومة قوية معتدلة. وفي عمود صحافي نشرته في يونيو (حزيران) 2015، أشرت إلى قول مسؤول استخباراتي أميركي إن «بناءً على التوجهات السائدة حالياً، حان الوقت للشروع في التفكير في سوريا ما بعد الأسد». من جانبه، كان الرئيس الروسي بوتين يراقب بقلق التوجهات ذاتها، وبخاصة في أعقاب زيارة عاجلة لموسكو في يوليو (تموز) من جانب الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس والراعي الإقليمي للأسد.
وبالفعل، استوعب بوتين الرسالة، وفي سبتمبر (أيلول) 2015 تدخل عسكرياً؛ ما أدى إلى التدخل العسكري الروسي؛ الأمر الذي أحدث تغييراً حاسماً في موازين الحرب السورية. ومن خلال قراره بإنهاء برنامج «سي آي إيه»، يقر ترمب بهذه الحقيقة.
والسؤال هنا: ما الذي كان يمكن للولايات المتحدة فعله للوصول إلى نتيجة مختلفة؟ فيما يلي بعض الأفكار التي جمعتها من حديثي مع مسؤولين أميركيين وسوريين ممن تابعوا عن كثب برنامج «سي آي إيه».
* كان يمكن لدعم «سي آي إيه» أن يبدأ في وقت أكثر تبكيراً، عندما لم يكن المتطرفون بهذه القوة الكبيرة. بحلول عام 2013، عندما أطلق البرنامج، كان مقاتلون قد سيطروا على المعارضة المسلحة.
* كان ينبغي للولايات المتحدة إمداد المسلحين بأسلحة مضادة للطائرات؛ ما يمكنهم من حماية المناطق التي يسيطرون عليها من القصف الوحشي للأسد. ورغم تدريب المسلحين على استخدام مثل هذه الأسلحة، فإنهم لم يستخدموها قط.
* لم تملك الولايات المتحدة استراتيجية عسكرية تكافئ الحملة السرية التي شنتها «سي آي إيه». وعن ذلك، قال فريد هوف، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية: «لم يكن ثمة هدف واضح يتعلق بالأمن الوطني واستراتيجية لتنفيذه». وقال مسؤول آخر إن الجهود الأميركية خلقت عن غير عمد «انقسامات ضخمة وعداءات، بدلاً عن تحولها إلى أداة لتوحيد صفوف الفرق المتناحرة».
* خدمة «واشنطن بوست»