حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

المتطرفون واللعب بالنصوص الدينية

يتفرج العالم على تداعي الدولة الداعشية المزعومة في العراق وسوريا، ويجمع المراقبون على أن سقوطها بالكامل مسألة وقت. وفي لجة غبار هدم هذه الكيانات المتطرفة الإرهابية تبدأ عملية البحث «أنى هذا؟»، ما المعين الذي نهلوا منه؟ ومن أين أتوا؟ وكيف نحمي الأجيال الناشئة من هذا الوباء الخطير؟
وكما في عالم الطب الذي تشيع فيها الأخطاء البشرية في التشخيص وإجراء العمليات، تكثر أيضاً في عالم معالجة الأمراض الفكرية كثير من الأخطاء والمزالق التي لم تسعفها غايتها النبيلة في ارتكاب الخطأ في الوسيلة، وأكبر دليل على ارتكاب هذه الأخطاء، كما أشرتُ إلى ذلك في مقالة سابقة، أن فشو ظاهرة التطرف وتمدد عالم الإرهاب لا يتناسب مطلقاً مع الجهود المبذولة عالمياً لمكافحة هذه الآفة الخطرة. فالدول والمؤسسات الدينية والفكرية والأكاديمية بذلت وتبذل جهوداً مضنية، وتنفق مئات الملايين من الدولارات لتجفيف منابع التطرف ومصادر الإرهاب، وهذه الآفة الإرهابية «باقية وتتمدد».
في خضم الجهد الشاق في البحث عن معالجة جذرية لظاهرة التشدد والإرهاب، يظن بعض الباحثين أن مجرد ورود اسم عالم أو مفكر في أدبيات هذه التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» ومن دار في فلكها، كاف لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا العالم أو ذاك المفكر. وشيخ الإسلام ابن تيمية واحد من أبرز الرموز العلمية التي ورد اسمها في هذه الأدبيات.
وهذا في تقديري أحد المنزلقات الخطرة في معالجة الإرهاب والتطرف، فهؤلاء الإرهابيون يوظفون كثيرا من الأدبيات والنصوص الإسلامية في غير سياقاتها الصحيحة، فنراهم يستقون ما يروق لهم من أقوال الصحابة (رضي الله عنهم) وعدد من العلماء والمشايخ الذين تتكرر مقولاتهم ومآثرهم في أدبيات هؤلاء المتطرفين في توظيفات خاطئة. وبسبب هذه الجدلية الخطيرة وقع عدد من المستشرقين وبعض الساسة الغربيين، خاصة من ذوي اليمين المتطرف، في نفس الفخ ولكن بصورة أكثر جرأة ووقاحة.
ولو أن هؤلاء الذين شنوا الحملة من عرب وعجم على شيخ الإسلام ابن تيمية، ورأوا فيه ملهماً للتطرف والإرهاب، أدركوا أن لب المشكلة هو في إساءة استخدام النصوص المنسوبة إليه، والانتقائية المتعجلة، لما حصل اللبس واللغط والغلط. يقول المستشرق الدكتور جون ميشوت، الأستاذ السابق في جامعة «أكسفورد» البريطانية: «أساء المتطرفون المسلمون الذين يعيشون في القرن العشرين استخدام أقوال ابن تيمية الذي توفي في عام 1328 ميلادية، حتى أن تقرير هجمات 9 - 11 ذكر ابن تيمية على أنه الجد الروحي لأسامة بن لادن، فتظن بعدها أنك إذا قرأت أعمال ابن تيمية ستمشي في حقل مملوء بالألغام، ولكن حين تشرع في قراءتها ستدرك حتماً أن المتطرفين الذي أساءوا استخدام نصوص ابن تيمية لأغراض إرهابية، يقرأون بعض النصوص المجتزأة من كلامه التي دعا فيها لمقاومة المغول، وهي صفحات قليلة في أعماله، فيستخدم المتطرفون هذه النصوص عن المغول ضد حكام جور مسلمين، ولكن حين تنتقل لأجزاء أخرى من أعماله سترى أنه من أكثر الناس طاعة لسلاطين المماليك في عهده، وهم لا يقلون جوراً وظلماً عن زعماء المغول، بل ستدرك أن ابن تيمية من أعظم العلماء المسلمين، وسترى أن فكره يتسم بالاعتدال».