حتى لو كان التاريخ يعيد نفسه أحياناً، فإن مشروع دولة الخلافة «الداعشية» تجربة كارثية يجب ألا تتكرر بأي ثمن كان، وأي مسمى كان. من هنا ضرورة التحسب لمرحلة ما بعد انهيار دولة الخلافة المزعومة والتحرك، باكراً، لإحباط سعي كل من يتطلع لملء فراغها، سواء الجغرافي أم المعتقدي.
في هذا السياق، تبرز مسؤوليتان عربيتان بالدرجة الأولى؛ مسؤولية الحؤول دون أي عودة للاستغلال السياسي للمشاعر الدينية، ومسؤولية قطع الطريق على احتمالات تهديد التكفيريين للكيانات الجغرافية العربية - على هشاشتها.
تجربة سوريا والعراق مع دولة الخلافة المزعومة أظهرت أن «الداعشية»، مثلها مثل الكوارث الطبيعية التي تضرب الكرة الأرضية، حدث يحتاج إلى تعاون جماعي لإزالة آثاره عبر مجهودين؛ عربي - إسلامي لمواجهة آيديولوجيته، وعربي - دولي لمواجهته أمنياً.
على المدى الطويل، قد تكون المواجهة الآيديولوجية الأكثر فعالية في احتواء التيارات المتزمتة، وتصحيح نظرة الآخرين إلى رسالة الإسلام الحقيقية، وإذا كان هذا المجهود قد انطلق فعلاً بمبادرة من الأزهر وكثير من الجمعيات الإسلامية الخليجية والمدارس الفقهية، فقد يساعد تحويل هذا المجهود إلى عمل مؤسساتي على ضمان مستقبله، وتعزيز موقعه في مرحلة يتطلع فيها المسلمون إلى «فاتيكان» يجسد رسالة الإسلام، بعيداً عن أي تشويه سياسي.
أما المواجهة الأمنية العربية - الدولية، على أهميتها وضرورتها، فإنها تتطلب مقاربة مدروسة وحذرة، ليس بسبب طابعها، بل للخشية من أن تتحول إلى سيف ذي حدين، في حال تمكنت بعض الفصائل «الداعشية» من الاحتفاظ بجيوب إرهابية داخل سوريا والعراق تتيح لها مواصلة «الجهاد التكفيري»، على غرار ما تفعل في شبه جزيرة سيناء.
ولكن، إذا كان الجيش المصري قادراً على أن يخوض بقواه الذاتية حرباً مضمونة النتائج على الإرهاب والإرهابيين، فإن سجل التطورات الميدانية في كل من سوريا والعراق يظهر أن جيشي البلدين ما زالا، وإلى موعد غير معروف بعد، بحاجة إلى مساندة لوجيستية لتنفيذ عملياتهما الحربية - مساندة روسية بالنسبة لقوات النظام السوري، وأميركية بالنسبة للجيش العراقي، ما يوحي بأن «الإقامة» الروسية - الأميركية في البلدين مرشحة لأن تطول، وبموازاتها «إقامة» اللاعبين الصغار على ساحة البلدين، وخصوصاً تركيا وإيران.
والمقلق على هذا الصعيد أن يتحول التنافس التركي - الإيراني (القائم منذ الآن) على كسب ولاء سنة البلدين وشيعتهما إلى مبرر «أمني» لبقاء القوات الأميركية والروسية على أرضهما.
سقى الله عهداً كانت تتحدث فيه إدارة الرئيس جورج بوش (الابن) عن «شرق أوسط جديد»... أهذا هو الشرق الأوسط «الجديد» أم الشرق الأوسط «القديم» الذي تتقاسم الدول الأجنبية النفوذ فيه، بما فيها الدولة الوريث للإمبراطورية العثمانية؟
قد يذكر التاريخ يوماً أن «الداعشيين» أرادوا - ظاهراً - ردّ الشرق الأوسط إلى عصر الخلافة الإسلامية... فردوه إلى عصر الاستعمار، وكل ذلك باسم الدين... والأصح بتسييس الدين للتسلط على رقاب المؤمنين.
8:2 دقيقه
TT
شرق أوسط «قديم»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة