رامي الريس
كاتب وصحافي وأستاذ جامعي من لبنان، وباحث ومترجم، يكتب في القضايا العربية والدولية، يحمل شهادة ماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت، وله مشاركات في العشرات من المؤتمرات وورش العمل في لبنان والخارج.
TT

الأزمة السورية.. حلول تلوح في الأفق!

من الواضح أن ثمة اتفاقات وتفاهمات خفية تعقد في الكواليس الدولية حيال المسارات المستقبلية للأزمة السورية التي اندلعت منذ عامين ونصف العام تقريبا، كانت طليعتها تلك الصفقة المشؤومة حول الترسانة الكيماوية السورية. والصفقة مشؤومة ن التوصل إليها صُور على أنه انتصار تاريخي في حين أن العالم تغاضى عن استمرار آلة القتل السورية من دون هوادة وأدار ظهره لتفاقم حالة الحرب الأهلية السورية، وكأن المجتمع الدولي قد بعث برسالة إلى النظام السوري مفادها أن كل أشكال القتل والتدمير مباحة ومتاحة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة باستثناء السلاح الكيماوي، من قصف الطيران إلى مدافع الدبابات إلى الرصاص الحي مرورا بالسلاح ابيض وصو إلى السادية في التصفيات الجسدية والقتل شريطة عدم استخدام السلاح الكيماوي.
اكيد أن المستفيد الأول من الصفقة كان إسرائيل التي تتفرج على دولة عربية وازنة تتحلل فيها كل مقومات القوة وتتجه تدريجيا للغرق في وحول الصراعات المذهبية على الرغم من أن سياسات النظام السوري في ما يخص الجون المحتل لم تشكل يوما أي عبء يذكر لها، إذ إنها كانت الجبهة العربية اهدأ على الإطلاق منذ ما يزيد على أربعين سنة.
والمستفيد الثاني هو النظام السوري الذي أعيد تعويمه سياسيا ونال ما يشبه صكوك البراءة حيال كل ما سبق من أداء خلال حقبة ازمة، بل إنه نال الثناء والإطراء على تعاونه المثمر والسريع مع المجتمع الدولي للتخلص من ترسانته الكيماوية، محاو تصوير ذلك على أنه انتصار له رغم أنه أدى إلى خلل فادح في موازين القوى على مستوى الصراع العربي - الإسرائيلي. لكن من الواضح أن أولوية النظام السوري تكمن حاليا في مواجهة إسرائيل بل في بقاء النظام مهما كان الثمن.
والمستفيد الثالث هو روسيا التي عادت لتتقدم كلاعب دولي وقطب ثنائي مع الويات المتحدة اميركية بعد أن كانت فقدت هذا الدور العالمي بعيد انهيار جدار برلين وسقوط اتحاد السوفياتي السابق وانتفاء وانتهاء دور منظمة «حلف وارسو»، وهي شكلت، بردعها، قوة دفع كبيرة للنظام السوري متغاضية عن مطالب الشعب السوري بالحرية والعدالة والكرامة.
والمستفيد الرابع هو الويات المتحدة التي شكلت اتفاقية لها مخرجا من ضربة عسكرية لم تكن لتغير الكثير في حال حدوثها، و سيما أن سياسة الإدارة اميركية تجاه ازمة السورية لم تعد كونها مجموعة إرباكات غير مفهومة أدت إلى تفاقم الوضع الميداني على ارض بشكل غير مسبوق.
على هذه الخلفية قد يعقد مؤتمر جنيف الثاني الذي من المفترض أن يناقش تفاصيل المرحلة انتقالية المفترضة في سوريا، وللتذكير فإن ما أخر انعقاده حتى اللحظة كان التباين الغربي - الروسي حول تفسير مضامين المرحلة انتقالية ودور الرئيس السوري فيها.
وغني عن القول أن التباعد السعودي - الأميركي على خلفية الخطوات المتلاحقة التي تتخذ على خط واشنطن - طهران، يزيد من تعقيد الأمور على المستوى الإقليمي ويطرح عددا من علامات الاستفهام حول طبيعة العلاقات المستقبلية وانعكاساتها المحتملة على الشرق الأوسط، ولا سيما في ظل تصاعد النفوذ الإيراني في عدد من الساحات العربية من أبرزها لبنان والعراق والبحرين وسواها. وهذا الجفاء السعودي - الأميركي سيؤثر سلبا على مسار الأزمة السورية والاستقرار في لبنان وسيولد تعقيدات جديدة في أكثر من موقع قد تظهر تجلياتها بوضوح في القريب العاجل ما لم تعد الإدارة الأميركية مقاربة ملف علاقاتها مع طهران على قاعدة ألا تكون على حساب حلفائها في المنطقة.
إقفال ملف ازمة السورية دونه الكثير من العقبات السياسية وأبرزها عدم تبلور ملامح تسوية سياسية إقليمية - دولية تكون جميع الدول الفاعلة والمؤثرة في مجريات الصراع مشاركة فيها. ولكن إذا كانت قاعدة التعاطي مع هذه الأزمة تنطلق من ضرورة بقاء الساحة السورية مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وهو الأرجح، فإنه تسوية مرتقبة تلوح في الأفق، ذلك أن الصراع أخذ أبعادا بالغة التعقيد قوامها اساسي تدافع العوامل الداخلية والخارجية لتأجيج النزاع وشرذمته، مما يجعل إعادة لملمته مسألة في غاية الصعوبة.
* كاتب سياسي لبناني
* رئيس تحرير جريدة
«انباء» اللبنانية