ميغان ماك أردل
TT

كارثة برج لندن... دروس وعبر

اندلعت النيران قبل عشرة أيام واجتاحت برج غرينفيل، وهو من المباني السكنية الكبيرة في العاصمة لندن. وسبب الحريق غير معروف حتى الآن، ولسنا على يقين بشكل قاطع حول كيفية انتشار النيران في المبنى بهذه السرعة، حتى تلتهم المبنى بأكمله والمكون من 24 طابقا. ومن غير المعروف أيضا عدد الوفيات في الحادثة. بلغ العدد 30 قتيلا على الأقل.
ما نعرفه هو أن هناك وسائل للمساعدة في السيطرة على انتشار الحرائق في المباني السكنية، مثل أنظمة الرشاشات المائية. ولقد أدى الأمر إلى فضيحة لحكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي المحاصرة سياسيا. إذ كان وزير الهجرة في حكومتها الجديدة يشغل منصب وزير الإسكان في حكومتها السابقة. ولقد رفض فيما سبق أن يطلب من المطورين العقاريين تركيب الرشاشات المائية. ونقلت صحيفة «الإندبندنت» عنه قوله أمام البرلمان في عام 2014: «نعتقد أنها مسؤولية صناعة إطفاء الحرائق، بدلا من الحكومة، لتسويق أنظمة الرشاشات المائية المضادة للحرائق بشكل فعال، ولتشجيع تركيب هذه الأنظمة على نطاق واسع... وقد تؤثر تكاليف تركيب نظام رشاشات المياه على بناء المنزل - ولذلك لا بد أن ننتظر معرفة تأثير مثل هذه اللوائح».
وقد يكون الناس الذين لقوا حتفهم في حريق برج غرينفيل على قيد الحياة اليوم إن اهتمت الجهات الرقابية الحكومية بتركيب أنظم رشاشات المياه المضادة للحرائق. ومردود هذا التقاعس لن يكون طيباً على حزب المحافظين.
ولكن قبل أن ننصب لهم المشانق، هناك أمران جديران بالنظر والاعتبار. الأمر الأول، حتى وإن تم تمرير اللوائح المعنية، ومطالبة المطورين العقاريين بتحديث المباني القديمة بأنظمة مكافحة الحرائق الحديثة، لم يكن ممكناً تركيب مثل هذه الأنظمة في برج غرينفيل قبل اندلاع الحريق المروع. فاللوائح البريطانية لا تدخل حيز التنفيذ الفعلي بين عشية وضحاها، فهي تستغرق وقتا في الصياغة، ومزيداً من الوقت من جانب الشركات للامتثال. والإرادة السياسية في أي حكومة في العالم لا يمكنها استحضار ما يكفي من أنظمة مكافحة الحرائق، ومطالبة الشركات بالتركيب الفوري والعاجل لرشاشات المياه في المنازل والمباني، والتحول الفوري لأسهم الإسكان في البلاد.
ولا نقول ذلك، رغم كل شيء، فإن على سبيل المجادلة، حتى وإن تعذر إنقاذ برج غرينفيل من الحريق المدمر، فهناك بكل تأكيد مبان أخرى سوف تندلع الحرائق فيها قريبا وسوف تستفيد من تركيب الأنظمة المضادة للحريق. فهل يجب علينا الانتظار لوقوع هذه الوفيات الجديدة قبل أن نتمكن من المجادلة بأن الأمر برمته عبارة عن سوء تقدير للموقف؟
حسنا، كلا. ولكن ينبغي علينا الانتظار حتى نتمكن من إثبات أولا أنه كان سوء تقدير للموقف.
قد يبدو أمراً غريباً وربما قاسياً أن نناقش تدابير حماية وإنقاذ حياة الناس كعملية حسابية. ولكن الحقيقة أننا جميعا نقوم بمثل هذه الحسابات في حياتنا اليومية، عن أنفسنا وعن الآخرين. ولكننا نرفض اعترافاً بأننا نفعل ذلك.
دعونا نفكر في السرعة التي نقود بها سياراتنا إلى العمل في الصباح. وأنا متأكد أنكم جميعا من السائقين الرائعين والحذرين أيضا. ورغم ذلك، عندما تقود سيارتك بسرعة 50 أو 60 ميلا في الساعة فإن هامش الوقوع في الخطأ أثناء القيادة وتفادي الحوادث المرورية يكون ضئيلا للغاية. وحتى قيادة السيارة بسرعة 5 أميال فقط في الساعة يعني قبولك للحد الأدنى من مخاطر الموت أو قتل الآخرين. والقيادة بسرعة 50 ميلا في الساعة يعني أيضا قبولك بدرجة أعلى من المخاطر لمواجهة ذلك. إنها حساب للأمور وتقدير للمواقف: المخاطرة في مقابل المكافأة.
وفي الولايات المتحدة، لقي عشرات الآلاف من الناس مصرعهم في حوادث السيارات خلال العام الماضي. ويمكننا إزالة أغلب حالات الوفيات على الطرق إذا تأكدنا بكل بساطة أن أحدهم لم يتحرك بسيارته على الطريق بسرعة أعلى من السرعة المعقولة - مثالا، 25 ميلا في الساعة - الأمر الذي من شأنه أن يقلل من احتمال وقوع الحوادث على الطرق، والأضرار المحتملة الناجمة عن ذلك.
فهل أنت على استعداد للدخول في هذه المقايضة؟ لتفادي وقوع 40 ألف حالة وفاة سنويا، كل ما عليك فعله هو محاولة الاقتراب «السكنية» من أماكن العمل، أو استخدام وسائل المواصلات العامة (إن أتيحت)، أو قضاء مزيد من الوقت في سيارتك.
وهل اتخذ الأميركيون هذا القرار؟ كلا، فالأمر لا يستحق العناء. من الواضح أننا لا نرغب في مبادلة الراحة الشخصية اليومية لقاء تقليل حالات الوفيات. أيضا، بحسب علمي، ليس هناك من أحد في أي مكان على استعداد لذلك. والحكومات تقرر حدودا مرتفعة للسرعات على الطرق - وهي السرعات التي تعتبر فعلا قاتلة - وأغلب سائقي السيارات يفضلون القيادة بالسرعات الأكثر فتكا. وكل سائق مسرع يدرك، بدرجة من الدرجات، أن ما يفعله شديد الخطورة، وهم يهتمون فقط بما سوف يقوله مدير العمل عندما يتأخرون بأكثر من اهتمامهم بالمخاطر المتزايدة لقتل أناس آخرين. (نصيحة مهمة: إن تحركت متأخرا فعليك قبول الوصول متأخرا).
وعودة إلى القضية الأولى: ربما تزداد الحاجة إلى تركيب أنظمة مكافحة الحرائق في المساكن متعددة الأسر. ومن الممكن تماما أن يكون وزير الإسكان الأسبق قد اتخذ القرار الخاطئ. ولكن تصريحه يشير إلى أنه كان يفكر في الأمر بالطريقة الصحيحة - مع الأخذ بجدية بحقيقة مفادها بأن لوائح السلامة ليست منعدمة التكاليف، ولكنها تتجاوز الفوائد المرجوة منها. ولا بد من إجراء هذه الحسابات، بصرف النظر تماما عن علامات الاستغراب أو الاستفهام بعد وضوح الحقيقة.
والوزير بالتأكيد على حق في أمر واحد؛ عندما يتعلق الأمر بكثير من اللوائح، فمن الأفضل أن نترك حسابات المكاسب والتكاليف إلى السوق، بدلا من الحكومة. ويمكن للناس إجراء تقديراتهم الخاصة للمخاطر، والثمن الذي يرغبون في دفعه للتقليل منها، بدلا من استبدال تقديرات بعض السياسيين أو البيروقراطيين الذين لن يحصلوا على أي منفعة أو يتكبدوا أي تكلفة.
كان برج غرينفيل، بطبيعة الحال، من مشاريع الإسكان العامة، مما يغير قليلا من الحسابات والتقديرات. ورغم ذلك، لا بد في هذا الموقف من إجراء بعض المقايضات. تنفق الحكومة كثيرا من الأموال على أشياء كثيرة جدا، والكثير منها أيضا يذهب لحماية وإنقاذ الأرواح. وكل جنيه أو دولار تنفقه في تركيب أنظمة رشاشات المياه لا يمكن إنفاقه بدلا من ذلك على الرعاية الصحية، أو الدفاع الوطني، أو مكافحة التلوث البيئي. فهل من شأن هذه التدابير إنقاذ مزيد من الأرواح أو من خلال تركيب أنظمة مكافحة الحرائق في مشاريع الإسكان العامة؟ من الصعب الإجابة عن ذلك.
ومن الممكن أنه عن طريق السماح لعدد كبير من المساكن العامة أن تعمل من دون أنظمة الحماية من الحرائق قد حالت الحكومة البريطانية دون وقوع الآلاف من المواطنين في براثن التشرد «السكاني»، بسبب ارتفاع تكاليف المساكن. ومن الممكن أيضا أن تتسبب نظم الحماية تلك في إنقاذ الأرواح من جحيم برج غرينفيل، حيث إن النيران قد انتشرت إلى خارج المبنى كما تفشت في داخله تماما. ولا بد من وضع هذه الاحتمالات في الاعتبار قبل توجيه الإدانة لأولئك الذين ينفقون الموارد الحكومية على أولويات أخرى. والقرارات التنظيمية لا تأتي من دون تكاليف أبدا، وفي بعض الأحيان تكون فوائدها غير معروفة أو مرئية.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»