يوجين ليندين
TT

خطر المجاعة في عالم بطر

في دولة ليسوتو الصغيرة غير الساحلية التي تقع جنوب القارة الأفريقية، واجه ثلث سكانها البالغ عددهم نحو مليوني نسمة خطر المجاعة على مدى العامين الماضيين بسبب الجفاف الذي حل ببلادهم. لم يكن ذلك سوى آخر حلقات سلسلة الويلات التي ابتلي بها هذا الشعب الذي يبدو وكأن لعنة قد حلت به. هذا مجرد مثال واحد للمستقبل المظلم الذي ينتظر القارة الأفريقية التي باتت تواجه خطر المجاعة وما سيتبعها من كوارث منها التشريد الذي ستعانيه الأجيال القادمة.
فمنذ أكثر من 40 عاماً، ألفت كتاباً عن ليسوتو تحت عنوان «سباق الصدقات» الذي ركز على دراسة أسباب فشل كثير من المشروعات التنموية في هذه الدولة واحداً تلو الآخر. اخترت هذه الدولة تحديداً لأنها تلقت معونات موجهة إلى مواطنيها عام 1974 أكثر من أي شعب آخر. ربما برهنت تلك الدولة على تحذير توماس ماثيو عام 1798 أن البشر سيدمرون الموارد التي تعتمد عليها حياتهم. واليوم، فإن تجربة ليسوتو منذ السبعينات تعتبر حالة دراسية قوية لما يمكن أن يحدث لو أن الخطط التنموية تجاهلت حقيقة أن مثل هذه الجهود قد تمثل وصفة لتفجير طاقات أعداد هائلة من البشر.
فالتاريخ البائس لهذا البلد يعرض حكاية تحذيرية أشبه بالعظة عن كيف أن النمو السريع للسكان يمكن أن يهدر الجهود التنموية القادرة على جعل شعب نامٍ يتحمل فترات من الطقس غير المعتاد.
الآن وبعد أن تكررت قصة ليسوتو في 17 دولة أخرى تعاني الجفاف هي الأخرى، فعلى إدارة ترمب على وجه الخصوص الانتباه إلى ما يمكن أن نتعلمه من درس ليسوتو. لكن ما حدث هو أن الإدارة الأميركية أعلنت أن الولايات المتحدة ستقطع مساعداتها السنوية التي تقدمها لصندوق الأمم المتحدة للسكان الذي يقوم بتطوير خطط المساعدات الأسرية. لكن تلك الخطوة المتسرعة التي أعقبها انسحاب الولايات المتحدة المتسرع أيضاً من اتفاقية باريس للمناخ من شأنه زيادة أعداد المهاجرين الذين يواصلون الفرار من مناطق المجاعات والجفاف واللجوء لمناطق بعيدة من العالم.
وحتى عندما كان عدد السكان 1.2 مليون نسمة عام 1974، كان رؤساء ليسوتو يرون بلادهم تعاني من زيادة السكان. وقدرت دراسة صدرت عن مكتب المستعمرات البريطانية أن الأرض تستطيع أن توفر العيش لنحو 4 آلاف نسمة في أحسن الأحوال، وهو الرقم الذي وصل إليه تعداد ليسوتو عام 1911. فقد كانت مصادر البلاد شحيحة، وكانت عوامل التعرية تتسبب في نحر وتآكل التربة السطحية في الوقت الذي كان فيه تعداد السكان يزيد بواقع 2 في المائة، مما يعني مزيداً من الأفواه الجائعة. احتاجت ليسوتو إلى اللجوء إلى وسائل منع الحمل، لكن منظمات المعونة تحاشت التدخل لأن كثيراً من الأفارقة رأوا تحديد النسل مؤامرة حاكها الأغنياء لتقليص أعداد السكان.
لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ على السطح، ليسوتو تبدو كأنها قصة متعلقة بالسكان. هذا صحيح نظراً لتضاعف عدد سكانها، لكن معدل نموها انهار ووصل إلى القاع.
ليس هذا هو النموذج الأمثل للتحول الديموغرافي الممكن اقتفاء أثره بهدف تحسين الدخل، لكن بهدف اقتفاء أثر مرض الإيدز. فمستوى عمر الإنسان في ليسوتو 50 عاماً، وهو ثاني أقل متوسط للأعمار في العالم، وهو المعدل نفسه هناك منذ نحو 45 عاماً. فمعدل انتقال عدوى فيروس «إتش آي في» لا يزال ضمن الأعلى في العالم بنسبة 23 في المائة من البالغين الذين يتناولون المضادات الفيروسية عام 2014.
وقد وفر المتبرعون الأجانب كثيراً من الأدوية والمرافق الطبية التي ساعدت في الحد من خطورة فيروس «إتش آي في». وفي عام 1974، باتت ليسوتو جزءاً من العالم باعتمادها على الوكالات والمنظمات غير الحكومية للحصول على كثير من الضروريات. لكن مع تراجع تلك المساعدات وفتور كثير من الجهات الأجنبية في توفير متطلباتها، باتت ليسوتو في أمس الحاجة إليها الآن.
وحتى عام 1974، أدرك كثير من خبراء التنمية أن برامجهم قد تقلل من الضغط الذي يشكله سكان ليسوتو، لكنهم تمنوا دون جدوى لو أن النمو الاقتصادي خفف من ذلك العبء.
وعلى مدار فترات طويلة من تاريخ ليسوتو، هاجرت أعداد كبيرة من الرجال في سن العمل (40 في المائة عام 1974) للعمل في مناجم جنوب أفريقيا. ورفض كثير من الرجال استخدام نسائهم لوسائل منع الحمل خشية إقدام زوجاتهم على خيانتهم أثناء سفرهم. بالإضافة إلى هذا، وبسبب حياة التجوال التي عاشها الرجال، أصبحت الأسر تفضل الأولاد للمساعدة في رعاية الماشية والعمل في المزارع داخل البلاد.
وعلى مدار سنوات، أدى التراجع في عمل المناجم والاتجاه لحياة الحضر والخوف من انتشار فيروس «إتش آي في» إلى زيادة استخدام موانع الحمل لتصل إلى 16 في المائة عام 1998، ووصلت النسبة إلى 60 في المائة عام 2015.
* خدمة «نيويورك تايمز»