خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

شعراء رومانطيقيون ومخابرات

كتبت في مقالتي السابقة عن اشتباه المخابرات البريطانية بعمالقة الشعر الإنجليزي أثناء الثورة الفرنسية. استمر الشعراء الرومانطيقيون، كولردج وشيلي، ووردسورث والمفكر الأديب ثلوول في إقامتهم في فوكستون واستمرت المخابرات في تعقب آثارهم وحركاتهم على اعتبارهم جواسيس فرنسيين يمهدون لغزو بريطانيا. على نحو ما ذكرت سابقاً. وفي عام 1797، بعث المخبر المحلي بتقرير إلى وزارة الداخلية يقول فيه:
«سيدي، بناء على أوامركم، توجهت فوراً إلى هذا المكان الذي يبعد بخمسة أميال عن فوكستون. وهو أقرب محل استطعت أن أجد فيه مقاماً لنفسي... لم تمضِ غير دقائق قليلة حتى باشرت بعملي بالسؤال من صاحب الدار فيما إذا كان قد رأى أي شيء من هؤلاء الأوغاد. أجابني بأنه رأى اثنين منهم يوم أمس. ثم سألته فيما إذا كان ثلوول قد رحل. قال نعم، وأضاف بأنهم كونوا لأنفسهم وكراً تحت حماية بوول، ولا بد أن ثلوول كان بينهم. وقد سمعت بأن أحد الناس يقول عنهم بأنهم فرنسيون وأقاموا وكرهم هنا. أجابني صاحب الدار والسيد وودهاوس فقالا، كلا. اتضح أنهم ليسوا فرنسيين. ولكنهم شلة من الأوغاد يلحقون الضرر ببلادنا بما يتجاوز كل ما يستطيع الفرنسيون أن يفعلوا بنا.
آمل أن أعطيكم معلومات أكثر عنهم يوم غد. وسألتزم التزاماً دقيقاً بتعليماتكم. أعتقد أن هذا الموضوع ليس مكيدة فرنسية وإنما عصابة من مواطنين إنجليز مخربين. لقد حصلت أخيراً على اسم الشخص الذي استأجر البيت. إنه يسمي نفسه ووردسورث».
واصل السيد وولش مكاتبة وكيل وزارة الخارجية قائلاً: «اتضح أن الساكنين في دار الفوكستون هم عصبة من الديمقراطيين العنيفين. استأجروا البيت باسم ووردسورث الذي جاء من قرية في دفنشاير قبل خمسة أسابيع. تكفل بالإيجار توماس بوول من أهل المدينة وأعيانها. إنه من أعنف أعضاء جمعية المراسلة ومن المؤيدين المتحمسين لأعضائها. كان معه السيد كولردج وزوجته. وقد تكفل بإعاشتهما منذ الكريسماس الماضي. وقد جاء كولردج من مدينة برستل وقيل لي إنه رجل ذو مكانة عالية وينشر الكثير من أعماله. وذكروا لي أنه سيطبع كتاباً عن قريب. وعنده مطبعة في البيت. وقيل لي إنه يكتب ويطبع ما يكتب. أما ثلوول فهو الآن في برستل.
«وقد التقيت يوم أمس بتوماس جونز الذي أيد ما قاله موغ بشأن هذه الجماعة. وأضاف بأنه حضر وليمة شهدها 14 شخصاً بينهم بوول وكولردج. وكان هناك شخص أيضاً قصير القامة قوي البنية يلبس قبعة بيضاء (ثلوول). وقف هذا بعد العشاء وألقى كلمة بصوت مجلجل جعلت صاحبنا جونز يرتجف ذعراً، بحيث قرر عدم الذهاب لذلك البيت. وجاء ووردسورث بخادمة تهذر كثيراً. تكلمت مع جونز وقالت إن سيدها فيلسوف...»
تذكرني الحكاية بأيام المكارثية خلال الحرب الباردة، حين كان القوم يشتبهون بالشعراء والأدباء والممثلين ويتصورونهم شيوعيين وعملاء للسوفيات. وكذا نظر الإنجليز للشعراء والأدباء الرومانطيقيين بأنهم عملاء للثورة الفرنسية.