ليونيد بيرشيدسكي
TT

تيريزا ماي... مخاطر انتزاع الهزيمة من بين فكي الانتصار

بدأت حالة عدم الثقة في استطلاعات الرأي في المملكة المتحدة عندما جاءت نتائجها حول الانتخابات العامة لعام 2015 والاستفتاء على الخروج البريطاني في عام 2016 خاطئة. والآن، قد يبدو أنه على الرغم من البحث المكثف عن المشاركين، لا تزال استطلاعات الرأي البريطانية غير موثوق بها: فأرقام الاستطلاعات موجودة في كل مكان، إذ يتولى حزب المحافظين الصدارة بين 3 و 12 نقطة مئوية. ومع ذلك فمن الممكن أن تكون مؤسسة واحدة على الأقل لاستطلاعات الرأي قد نجحت في كيفية التقاط نوايا التصويت بطريقة تتناسب مع نظام الانتخابات في المملكة المتحدة. وأن نموذج هذه المؤسسة ينتج أقل النتائج المواتية للسيدة تيريزا ماي.
وفي نموذج شركة يوغوف، كان هناك عدد كبير للغاية من المشاركين في استطلاع الرأي: ما لا يقل عن 5 آلاف مشارك في كل يوم لأجل الخروج بالنتائج اليومية. وفي يوم الخميس الماضي، حصل حزب المحافظين على 42 في المائة من التصويت و317 مقعدا من أصل 650 مقعدا في البرلمان، وحصل جيريمي كوربين من حزب العمال المعارض على 38 في المائة في التصويت وعلى 253 مقعدا في البرلمان. ولكن نموذج شركة يوغوف هو أكثر من مجرد استطلاع للرأي. إنه مزيج من استطلاع الرأي التقليدي وممارسة لتحليل البيانات الكبيرة.
يقول بنيامين لودرديل، البروفيسور في كلية الاقتصاد في لندن والذي صمم نموذج يوغوف: «نستخدم الاستجابات الفردية في كل دائرة انتخابية في بناء نموذج لكيفية ارتباط التصويت بالسمات الفردية، وأنواع الدوائر الانتخابية التي يعيش الناس فيها. ثم نستخدم هذا النموذج في الحساب التقديري لكل دائرة منها بناء على أنواع الناس الذين يعيشون هناك وكيف كانوا يصوتون في الماضي».
تعتمد دقة الاستطلاع كثيرا على الأساليب التي يستخدمها علماء الاجتماع — على سبيل المثال، تعتمد على أهمية العينات. ولكن هناك سبب آخر في أن استطلاعات الرأي الفرنسية كان أكثر دقة بصورة كبيرة قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بينما كانت الدقة المماثلة أكثر مراوغة في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة. بالنسبة للتصويت الرئاسي، فإن فرنسا تعتبر دائرة انتخابية واحدة بحجم الدولة. ولا تعمل الانتخابات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفق هذا المنوال: فالحزب الفائز في المملكة المتحدة لا بد وأن يفوز في أغلب الدوائر الانتخابية، وليس وفق أكبر حصة من التصويت الوطني العام، والمرشح الرئاسي في الولايات المتحدة لا بد وأن يفوز بأكثر أصوات الناخبين، بدلا من الحصول على الأغلبية الوطنية. وهذا مما يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة إلى مؤسسات استطلاع الرأي: فإن إجراء هذه الاستطلاعات المحلية في كل مكان أمر مكلف للغاية، ونقصان الموارد يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم موثوقية نتائج هذه الاستطلاعات.
يساعد نموذج يوغوف في التغلب على هذه المشكلة. على الرغم من أن عدد المشاركين في كل دائرة انتخابية قليل إلى حد ما – أقل من 100 مشارك خلال فترة المشروع – فإن استخدام البيانات الجغرافية والديموغرافية والتصويتية يسهل من تقدير النتيجة في كل دائرة انتخابية، وعدد المقاعد المتوقعة لكل حزب من الأحزاب.
بدأ البروفيسور لودرديل العمل على هذه الطريقة بعد انتخابات عام 2015، في محاولة للتنبؤ بنتائج الانتخابات من واقع استطلاعات الرأي الحالية وبيانات التوجهات المحلية. وجاءت النتائج مخيبة للآمال. ومع بذل المزيد من الجهود، ازدادت دقة النتائج. واختبرت شركة يوغوف تكرار لنموذج البروفيسور لودرديل في استفتاء الخروج البريطاني، وتوقعت انتصار الجانب المؤيد للمغادرة، ولكن بهامش ضئيل للغاية مما حدث بالفعل.
والانتخابات الحالية المفاجئة، والتي دعت إليها السيدة تيريزا ماي على أمل أن تساعد في تدمير المعارضة، وتولي زمام الأغلبية القيادية، هي أولى الانتخابات التي تستخدم فيها شركة يوغوف النموذج المذكور بصورة رسمية.
ولا تزال استطلاعات الرأي التقليدية تظهر أن تحصل السيدة ماي على ما تصبو إليه، على الرغم من أن زخمها العام في تقلص مستمر مؤخرا. وظهر متوسط استطلاع الرأي في صحيفة فاينانشيال تايمز يوم الخميس الماضي – والذي يحتوي على نتائج من نموذج يوغوف – مانحاً حزب المحافظين 44 في المائة من عدد الأصوات وحزب العمال 35 في المائة من عدد الأصوات. وتدور أحاديث الناخبين حول الإقبال المتوقع من جانب الشباب ودوره في تحديد الفارق: وفقا إلى حكمتهم التقليدية: إذا اعتقد أحدهم أن المزيد من الشباب سوف يصوتون بأعلى من المعدل المعتاد اليوم الثامن من يونيو (حزيران)، فسوف يتوقع المرء أن يرتفع أداء حزب العمال عما هو عليه. ولقد أخبرني البروفيسور لودرديل أيضا أن الافتراضات المختلفة حول من سوف يقوم فعلا بالتصويت هي المحفز الحقيقي لنتائج استطلاعات الرأي.
غير أنه قال كذلك، وبرغم كل شيء، أن النموذج الذي صممه لا يتوقع المشاركة الأعلى من المعتاد لتصويت الشباب. وأردف قائلا في إجابته عن سؤالي: «تفترض التقديرات إقبالا مماثلا وفق التوزيع العمري في عامي 2010 و2015 (والتي كانت متماثلة للغاية). ونحن نستخدم دراسة الانتخابات البريطانية لعامي 2010 و2015 في تحديد مدى قوة هذه العلاقة».
ومن الواضح أن البروفيسور لودرديل وشركة يوغوف ليسا بالضرورة على حق إزاء أفضليات الناخبين البريطانيين: ربما يكونون على خطأ بشأن تصنيفات الناخبين والافتراضات الأخرى ذات الصلة. ولكن نظم الانتخابات في المملكة المتحدة – وفي الولايات المتحدة كذلك – تستلزم بذل الباحثين للمزيد من الجهود للذهاب لما وراء التصويت الوطني التقليدي، وبلوغ المستويات المحلية. ومقاربة شركة يوغوف لهذه المشكلة من المقاربات الذكية والمبتكرة، إذا ما نجحت في انتخابات الثامن من يونيو، فإن استطلاعات الرأي التي تتعامل مع النظم الانتخابية المرهقة يمكن أن تأخذ خطوة كبيرة للغاية نحو مزيد من الدقة في النتائج.
وعلى أي حال، يستحق الأمر مراقبة نتائج نموذج يوغوف عن كثب بأكثر من مراقبة نتائج الاستطلاعات التقليدية، لا لسبب إلا لأنه كان يعمل بصورة جيدة خلال استفتاء الخروج البريطاني الأخير. وكما أشارت زميلتي تيريزا رافائيل من موقع بلومبيرغ فيو، أن المزاج الاحتجاجي الذي امتاز به هذا التصويت لم يتلاشَ بعد، وأن الانتخابات العامة الحالية تتقاسم بعض السمات المميزة مع استفتاء «البريكست» الأخير.
على سبيل المثال، على الرغم من أن موقع الرهانات الشهير (بيتفير) قد منح حزب المحافظين أغلبية الفوز بنسبة 80 في المائة، إلا أن كاتي بايليس المتحدثة باسم الموقع قالت إن هذا يرجع إلى الرهانات الكبيرة التي وضعت على فوز حزب المحافظين – في حين أن هناك عددا أكبر من المواطنين راهنوا بأموالهم على حزب العمال.
وأضافت السيدة بايليس تقول: «في سوق أغلب المقاعد لدينا (وهو أكبر الأسواق في هذه الانتخابات) شاهدنا أكثر من 90 في المائة من الحجم أو الأموال موضوعة على حزب المحافظين، ولكن المزيد من الرهانات على حزب العمال (حوالي 40 في المائة مقارنة بـ 30 في المائة لحزب المحافظين)».
كانت الأمور على هذا المنوال قبل الاستفتاء على الخروج البريطاني أيضا: عدد كبير من المراهنين (أغلبهم من الطبقة العاملة) وضعوا أموالهم على قرار «المغادرة»، بينما المراهنون الأثرياء تابعوا استطلاعات الرأي ووضعوا أموالهم على قرار «البقاء».
ولقد أخبرني روبرت بارنز، المحامي الذي كسب مئات الآلاف من الدولارات من الرهان على الخروج البريطاني وعلى فوز دونالد ترمب، أنه وضع أمواله على توقعات حزب العمال فائقة الأداء بسبب أنها سوف تحصد الأصوات المناهضة للمؤسساتية. وهذا بالضبط ما يظهر من نموذج يوغوف أيضا. واحتمال تشكيل برلمان معلق، الذي لا يحظى أي حزب فيه بالأغلبية، هو من النتائج التي لا تكاد تُذكر. وتواجه السيدة ماي مخاطر انتزاع الهزيمة من بين فكي الانتصار. حتى وإن حازت الأغلبية، يبدو من المستبعد للغاية أن تكون أغلبية قوية بما يكفي لمنحها اليد الطولى في التصرف، سواء في مفاوضات الخروج البريطاني أو في السياسات الداخلية.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»