د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

الفستان والوزيرة والصراع العربي الإسرائيلي

هناك نوعان من الاتصال: الاتصال الشفوي والاتصال غير الشفوي. ومع أننا نعترف للغة بالقدرة الفائقة تاريخياً على التبليغ وتمرير الرسائل كافة والمعاني كلّها بكل دقة وبلاغة، إلا أننا لا نستطيع التقليل من شأن الاتصال غير الشفوي القائم على قوة الرموز. بل إنه يحدث أن يفعل الاتصال غير الشفوي ما لا يستطيعه الاتصال الشفوي.
هذه الديباجة أخذنا إليها فستان وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف الذي ارتدته في مهرجان كان السينمائي وكان مرسوماً عليه مدينة القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة. الفستان الذي أثار جدلاً وسخطاً في وسائل التواصل الاجتماعي، وتعاطت معه وسائل الإعلام في بلداننا باحتشام شديد كي لا تزيد الجدل اشتعالاً.
من جهتي تمعنت في الفستان جيداً فإذا بي أجد نفسي ضحية شعورين متناقضين: الأول الشعور بالاغتصاب الحضاري الثقافي الجغرافي والإهانة والاعتداء، والثاني الاعتراف لهذه الوزيرة بالذكاء ونجاحها في مهرجان سينمائي في تمرير رسالة قوية ومهينة من خلال فستان فكانت بمثابة عارضة أزياء من نوع خاص جداً: عارضة لموقف سياسي بلفت النظر عن مصداقيته من عدمها.
ما أقوى الرموز وما أشدّ رسائلها: فستان يتكبد عناء رسالة تلخص مضامين الصراع العربي الإسرائيلي.
وكي ندرك رسائل هذا الفستان من المهم التعرف على صاحبته ومواقفها وهكذا سنفهم أكثر أهمية الفستان، ومعنى أن يحمل صور مدينة القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وأيضا توقيت هذه الحركة والحال أن ميري ريغيف تقلدت منصب وزيرة الثقافة في إسرائيل منذ ربيع 2015. وأي معنى لكل هذه المعطيات في مناسبة حلول الذكرى الخمسين على احتلال القدس؟
إن صاحبة الفستان السيدة الوزيرة ليست كفاءة في مجال الثقافة والإبداع تم اختيارها وزيرة للثقافة، بل هي من النساء القلائل في إسرائيل اللواتي وصلن إلى رتبة عميد في الجيش الإسرائيلي، وشغلت منصب المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي ما بين الثاني من يونيو (حزيران) 2005 وأول أغسطس (آب) 2007. كما أنها تنتمي إلى حزب الليكود المعروف بتطرفه، وهي من الصفوف الأمامية في الحزب بدليل انتخابها الخامسة في قائمة حزب الليكود في انتخابات 2015.
ومن القرارات الأولى التي أعلنتها بعد توليها منصب وزارة الثقافة نذكر تهديدها الذي أثار موجة من الانتقادات داخل إسرائيل، بقطع تمويل الحكومة للفنانين والمؤسسات الإسرائيلية التي لا تعبر عن ولائها لإسرائيل. وهي قرارات كانت متوقعة منها، لأن عنفها ضد النواب العرب كان من أبرز ما تميزت به، خصوصا وهي تدافع عن قانون «الدولة القومية اليهودية» ومشاركتها في مؤتمرات المستوطنين.
أيضا هذه الوزيرة تحدث عنها الإعلام العربي عندما لم تتمالك تطرفها في سبتمبر (أيلول) 2016. وغادرت حفل توزيع جوائز للأعمال السينمائية في مدينة أسدود المحتلة، وكان السبب الذي أعلنته بعدما عادت إلى الحفل، وأيضا في وسائل الإعلام أن مغني الحفل تام نفاز، دمج في أغنيته كلمات من قصيدة «سجل أنا عربي» للشاعر محمود درويش فيها تحريض ضد اليهود.
إذن تعرفنا قليلاً على أفكار صاحبة الفستان السيدة الوزيرة ومواقفها، ومن ثمة بدأت الرسالة تتضح أكثر فهي ليست مجرد ناقلة لرسالة، وإنما واحدة من صناع هذه الرسالة، وأغلب الظن أنها فكرتها فهي فكرة أنثوية الرأس والحيلة.
ولم ترتد وزيرة الثقافة هذا الفستان فقط للاستفزاز واللعب بالرموز والرسائل.. بل إن إسرائيل تريد أن توصل رسالة للعالم بأن القدس لها...
أظهرت إسرائيل دائماً كفاءة استثنائية في ذلك.