نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

قلق إسرائيلي من المحطة الأولى

لو كان الإسرائيليون يريدون سلاماً وتطبيعاً مع الفلسطينيين والسعودية والعرب والمسلمين جميعاً، لما استبد بهم قلق عميق لم يخفوه جرّاء اختيار ترمب السعودية كمحطة أولى، واشتراكه في ثلاث قمم ثنائية وإقليمية وعالمية على أرض المملكة.
وبين يدي الزيارة التي ستتم قريباً، نشرت وثيقة في «وول ستريت جورنال»، تتحدث عن اشتراطات خليجية ليس لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإنما لنقلها إلى وضع أفضل.
لست معنياً بأن هنالك وثيقة أم لا، فكل يوم نسمع ونقرأ ونرى تسريبات، فعالم اليوم مفتوح ولا حواجز وسدود تمنع ما يقال وما لا يقال، غير أن كثافة تداول هذه الوثيقة، يمكن أن يستفاد منه في فتح الباب أمام موضوع حيوي راهن، عنوانه الدور السعودي في التسوية الفلسطينية الإسرائيلية المحتملة، وكيف سيؤدي هذا الدور بصورته الجديدة المختلفة عن الصورة النمطية التي اعتمدتها السعودية تحت شعار «نتبنى وندعم دون أن نشترط تدخلاً مباشراً في أي محاولة من محاولات التسوية».
في زمن الصفقات التي هي أساس العلاقات بين القوى والدول، تحتل السعودية مكاناً فعالاً في هذا السياق، ولا أغالي لو قلت إن الفلسطينيين الذين يئسوا بفعل كثرة المحاولات الفاشلة لحل قضيتهم، يرون في زيارة ترمب للسعودية فرصة لتطوير رصيدهم التقليدي الآخذ بالنفاذ، ودعماً لمطالبهم التي حفظها البيت الأبيض عن ظهر قلب، وآن الأوان لأن ينظر إليها بجدية أكبر.
إن صنع السلام ولكي يكون مضمون النتائج، يتطلب إدارة دقيقة في أمر تبادل الطلبات والمصالح، لا شيء مجاني في هذا الزمن، ولا شيء يقدم سلفاً تحت العنوان البائس الذي أذلنا عقودا من الزمن وهو «إثبات حسن النية».
تعطي تأخذ.. ورصيدنا كعرب في هذه المعادلة يبدو بالحسابات الرقمية أكبر من رصيد إسرائيل. إسرائيل تأخذ وفي حالات كثيرة تكون عبئاً على الحليف الأعظم لها، ومع أن أحداً لا ينكر طبيعة وحجم النفوذ الإسرائيلي داخل كل مكونات الدولة الأعظم، إلا أن موازنة المصالح تعطي العرب أفضلية، ولا أملك القول تفوقاً نظراً لعدم تبلور حساب موحد للرصيد العربي.
العالم تغير، وتغيرت قواعد اللعب، فما كان محرماً بالأمس صار ضرورياً اليوم، وفي هذا الشأن لا تقرأ الأمور من حيث المبدأ، وإنما من حيث الحاجة والجدوى، وموقع إسرائيل تغير، منذ خطاب السادات في الكنيست وعناقات وادي عربة، ومصافحة عرفات لرابين في البيت الأبيض، ومنذ أن طرحت مبادرة السلام السعودية التي صارت عربية وإسلامية، كل ذلك صار أشبه بعوامل التعرية التي تنتقل فيه الجبال من مواقعها إلى مواقع أخرى.
الوضع الجديد بعد كل هذه المتغيرات، ينبغي أن يقابله تحليل جديد وسياسات جديدة وممارسات أكثر حكمة وشجاعة وإقداماً، وإلا كيف يمكن أن يستفاد إلى الحد الأقصى من حاجات الدولة الأعظم لنا في مآزقها الراهنة.
البراعة السياسية يمكن أن تتجسد بتحويل العبء إلى رصيد. في زمن العجز والتخبط والتشرذم، كانت القضية الفلسطينية عبئاً رغم كل الأدبيات التقديسية لها، أما في هذا الزمن فبراعة الساسة العرب وحلفائهم أن يحولوها إلى رصيد، وهذا هو مجال اختبار فاعليتنا في المرحلة الراهنة وتداعياتها المستقبلية.