علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

فانتازيا

الفانتازيا ممر آمن للهروب من واقع مرّ، وهي علاج ذاتي للإجهاد العصبي ينبعث من العقل ذاته. صعب للغاية أن يكون الإنسان عاقلا ومعقولا طوال الوقت. لا بد لأفكاره أن تنفلت وتحلق بعيدا بغير منطق، هذه من نعم الله علينا، وإلا كنت أُصبت بالجنون منذ وقت طويل..
ولذلك أنا أطلب من حضرتك أن لا تحاسبني بمقاييس منطقية على ما أكتبه لك اليوم، بل أطلب من حضرتك أن تحلق معي في عالم الفانتازيا المريح للعقل؛ هناك وفد دبلوماسي شعبي سافر إلى روسيا.. ترى هل لذلك علاقة بعلاقتنا المتوترة مع أميركا نتيجة قطع بعض المعونات المالية عنا؟ في الغالب نحن نريد إغاظة الأميركان، يا للأيام..! والله زمان، أين أنت أيها الحياد الإيجابي بين الكتلتين أثناء الحرب الباردة؟! نأخذ من السوفيات فيسعى الأميركان لإرضائنا، ونأخذ من الأميركان، فيهرع السوفيات لتطييب خاطرنا. هكذا ترى كم كان الحياد الإيجابي إيجابيا، هل نحن ما زلنا نعيش في الماضي؟
هذا الوفد المسافر، هل هو مسافر إلى روسيا أم إلى الاتحاد السوفياتي؟! بملاحظة أعمار السادة المسافرين، أكاد أجزم أنهم ما زالوا يعيشون أجواء الحرب الباردة. هناك سؤال لا أعتقد أنه سيُوجه إليهم، غير أنه من المحتم أن يسألوه لأنفسهم، وهو: ماذا لدينا نقدمه للشعب الروسي؟ وماذا نريد منهم؟
ترى ماذا لدينا هذه الأيام نقدمه للآخرين لنحصل على مقابل له؟! كل الكلمات الكبيرة لم يعد لها ثمن في عالم السياسة. لا أريد أن أقسو على نفسي وأهلي، لا بد أن لدينا شيئا نستطيع أن نبيعه للآخرين، وهنا صحت، كما صاح أرشميدس من قبل: «وجدتها». لقد اكتسبنا خبرة حقيقية في محاكمة الرؤساء ورجال الأنظمة السابقة، لماذا لا نستفيد من هذه الخبرة؟! لماذا لا نبيعها للشعوب الأخرى؟! وبدأ المشروع يتبلور في عقلي؛ بما أننا لا نفعل أي شيء ولا ننتج أي شيء، فلماذا لا ننشئ هيئة عامة للمحاكمات الخارجية تقدم خدماتها لكل البلاد التي تثور ضد رؤسائها، وذلك بتكلفة زهيدة؟!
بدأت أفكر في حملة الدعاية والإعلام لهذا المشروع، هات رئيسك ونحن نحاكمه ونسلمه لك تسليم مفتاح، أي بحكم محكمة باتّ ونهائي، يعني نستطيع أن نسلمه لك على باب الزنزانة، كما نستطيع أن نستضيفه في سجوننا بمبلغ إضافي زهيد. إن تكلفة محاكمة الرئيس أوباما مثلا في أميركا من الممكن أن تتكلف المليارات، بينما نستطيع نحن أن نحاكمه بخمسمائة مليون فقط، أضف إلى ذلك أن المجتمع الأميركي لن يتوقف عن العمل بسبب انشغاله بهذه المحاكمة التي ستجري بعيدا عنه.
إن عدة زبائن بهذا الوزن من الممكن أن يسدوا العجز في ميزانيتنا، بل ويعطونا فائضا يحمينا من سؤال الآخرين، كما أن المشروع سيتيح لنا الالتصاق أكثر بالحضارة الغربية، عندما يساعدنا الحظ بمحاكمة الرئيس الفرنسي والبلجيكي والهولندي مثلا.. لا ترفض الفكرة. ناقشها بموضوعية، فربما تجدها فرصة طيبة لكي نتخصص في منتج لا ينافسنا فيه أحد.