محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

عقدة الأخ الصغير!

شغلت باحثاً شهيراً قضية وجود علاقة وطيدة بين شخصيات الناس وبين ترتيبهم العمري بين أشقائهم. فأصغرهم الذي لم يحظَ بمزايا الرعاية الأولى التي حظي بها شقيقه الأكبر تجده يبحث عن شتى السبل المقبولة اجتماعياً لكي يظفر بمحبة والديه واهتمامهما، الأمر الذي يدفعه للبحث عن طرق إبداعية وغير تقليدية، وأحياناً تشوبها روح المغامرة والتمرد لتقديم مشاريع أو تصرفات تلقى استحسان من حوله.
وهذا ما دفع عالم النفس فرانك سولواي من جامعة كاليفورنيا إلى التعمق في هذه النظرية، فدرس السير الذاتية لنحو ستة آلاف شخصية عامة مرموقة، ومن شتى مناحي الحياة، فتوصل إلى أمر مثير، وهو أنه بالفعل الغالبية العظمى من الرؤساء الأميركيين، منهم بوش الأب وكارتر وكلينتون كانوا من أكبر إخوتهم، فيما كان الزعماء الذين أحدثوا ثورة أو تمرداً على الوضع السائد أمثال الرئيس الأميركي جيفرسون والثوري كاسترو، وماركس أحد أعظم الاقتصاديين في العالم، وكلهم كانوا ممن ولدوا لاحقاً، مقارنة بإخوتهم الذين سبقوهم في موعد الولادة. وسطر البحث أمثلة عدة لأناس أتوا بمشاريع راديكالية أكدت تلك النظرية.
ورغم أنها دراسة لافتة ومشوقة، فإن الناس والدراسات انقسموا حولها، فكيف يمكن أن نحكم على فرد بمجرد ترتيبه بين إخوته؟ وهذا ما يذكرني بحوار سمعته من مدير يقول لموظف صغير ضاق ذرعاً بضغوطات مديره: هل أنت أصغر إخوتك؟ فلما رد الموظف بالإيجاب قال له المسؤول وكأنه يطلق عليه حكماً نهائياً: هذا أمر طبيعي ستبقى هكذا متمرداً ومتململاً!
شخصياً لا أؤمن بهذه النظرية، فتجارب الناس وتاريخهم مليء بقصص المبدعين الذي سطروا أروع نماذج العطاء والتفاني ولم يكن لترتيب ولادتهم أي سبب يذكر في تفوقهم. والحق أن البيئة الحاضنة والمهارات الشخصية الفطرية أو ما يتم اكتسابه لاحقاً من مهارات يضع الإنسان على محك التميز. وكم رأينا من نماذج في تاريخ الأمم لمن لا يستحق تولي مقاليد الحكم، رغم أنه أصغر أو أكبر أشقائه فذهب ذلك المنصب إلى الأكثر حنكة وحكمة و«كاريزمية».
وأرى أننا نزيد الطين بلة، ونفاقم «عقدة الصغير»، حينما نردد ليلاً ونهاراً المثل الشعبي البالي «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة»!