سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

الباب الأميركي المُوارب مع {الإخوان}!

تشعر وأنت تتابع أداء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في ملف جماعة الإخوان المسلمين، أن إدارته تستخدم الملف في مغازلة طرفيه... لا أكثر... تستخدمه لتغازل الجماعة، على جانب، ثم لتغازل الحكومات العربية التي تضررت، ولا تزال تتضرر من نشاط الجماعة، على جانب آخر.
والإدارة الأميركية الحالية، وهي تتصرف على هذا النحو، إنما تتصرف عن وعي تام بما تفعل؛ لأنه تعرف مسبقاً أن كل طرف من الطرفين، سيسعى بكل طاقته ليثبت لها أنه هو الطرف الأكثر صواباً فيما يقوله، لا الطرف الآخر، وسيكون في سعي الطرفين معاً، وبالتوازي، تحقيق مؤكد لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وربما في العالم، أو على الأقل عدم إلحاق الأذى بها، وهذا بالضبط ما تتحرك إدارة ترمب في اتجاهه، في كل وقت، وفي كل خطوة تقطعها، ولا أظنها تطمح إلى ما يجاوز هذا السقف!
لقد صرح الرئيس ترمب، أكثر من مرة، بأنه سيضع الجماعة على لائحة تنظيمات الإرهاب... أعلن هذا، سواء أيام ترشحه في سباق الرئاسة، أو بعد فوزه، أو حتى فيما بعد استقراره في مكتبه البيضاوي.
ولو كان قد قيل، في كل الحالات، إنه سيتم التفكير فيما يُصرَح به، بشأن الجماعة، وبشأن وضعها على تلك اللائحة أو عدم وضعها، لكنا الآن قد قلنا إن الرئيس الأميركي فكر فعلاً، وإن تفكيره قد هداه إلى التمهل قليلاً في الإقدام على الأخذ بما كان قد صرح به.
لاحظ بعد إذنك، أن الإدارة تقول إنها تراجعت، ولا تقول إنها ألغت الفكرة!... وكأن المقصود هو أن يظل الباب أمام الفكرة نفسها موارباً، فلا هو مفتوح، ولا هو مغلق!
لا تستطيع كقارئ، أن تتجاهل ما ورد في هذا الشأن، في عدد أخير من أعداد صحيفة «واشنطن تايمز»، وكيف أن نقاشاً قد دار داخل الإدارة حول ما يتعين اتخاذه من خطوات في الملف، وأن النقاش (يبدو أنه) انتهى إلى التراجع عن وضع الجماعة على لائحة الإرهاب، لأسباب أهمها، أن وضع الجماعة الإخوانية على اللائحة قد يؤدي إلى تقوية الاتهامات الموجهة إلى إدارة ترمب، بأنها ضد الإسلام والمسلمين!
لا تستطيع أن تتجاهل كلاماً كهذا، لأسباب عدة؛ أولها أن الصحيفة التي نشرت ليست صحيفة صغيرة، ولا هي من الصحف ذات الوزن الخفيف بين صحف الولايات المتحدة، وثاني الأسباب أن النشر جاء في شكل تسريب من داخل الإدارة الأميركية نفسها، وليس في صورة تصريحات لمسؤول فيها بعينه، وحين يحدث هذا، فإن المفهوم هو أن هناك رسالة من نوع ما، يراد توصيلها، أو بالونة اختبار يراد قياس حدود رد الفعل عليها، وثالث الأسباب أن مبررات التراجع المعلنة بين طيات التسريب، تدل على جدية، لأعلى هزل في النقاش!
من بين التبريرات، أن الجماعة في مراحل مختلفة من تاريخها، كانت تمارس نشاطاً سياسياً شرعياً، رغم ارتباطها الظاهر في المراحل نفسها، بجماعات موضوعة على لوائح الإرهاب!... وحقيقة الأمر أن هذا التبرير لا يصمد أمام أي نقاش جاد، لأن الجماعة الإخوانية هي، من حيث تاريخ نشأتها، الجماعة الأم، بالنسبة لكل ما عداها من جماعات، والمعنى أنها أصل، وأن ما سواها فرع، والفرع دوماً يتبع الأصل، لا العكس... فكيف، إذن، يكون الفرع إرهابياً، ولا يكون الأصل على صلة بالإرهاب؟!
إن أحداً منا لا ينسى أن الدكتور محمد البلتاجي، قيادي الجماعة، قال بلسانه يوم إسقاط جماعته عن الحكم في القاهرة، منتصف عام 2013، إن العنف الذي كان قد انطلق أيامها في سيناء، سيتوقف، في اللحظة التي يعود فيها محمد مرسي إلى السلطة!... قالها بلسانه، وهي مسجلة، وموجودة، ومحفوظة، وإذا دلت على شيء فإنما تدل على شيئين؛ أولهما أن الجماعة إذا لم تكن تمارس العنف بيدها، فهي على صلة بالذي يمارسه، وتعرفه، وتستطيع أن تأمره بأن يتوقف عنه، فيتوقف!... إنها لا تعرفه، وفقط، ولكنها تملك نفوذاً عليه، بدليل أنها تستطيع أن توقفه!... والشيء الآخر أن بديل فقدان السلطة عندها، هو ممارسة العنف، أو على الأقل تحريض طرف آخر عليه!
ولا يخلو المبرر الثاني الذي نشرته الصحيفة، على أنه وراء التراجع، من الخلط ذاته الذي ينطوي عليه المبرر الأول؛ لأن القول بأن إدراج الإخوان على لوائح الإرهاب قد يقوي من اتهام إدارة ترمب، بأنها ضد الإسلام والمسلمين، مردود عليه بأنه مبرر يصور الإدارة وكأنها لا تفرق بين الإسلام، وبين انحرافات بعض المسلمين... لا تفرق بين الدين، وبين سلوك بعض معتنقيه المرفوض... وهو ما يربأ كل مسلم معتدل، بإدارة ترمب، عن أن تقع فيه!
لا تُدين إدارة ترمب، الإخوان، ولا تبرئهم!... ليس لأنها لا تستطيع أن تسوق القرائن في الحالتين... ولكن لأنها تريدهم ورقة في يديها بين الأوراق.