ستيفن كارتر
TT

الخصوصية... ثمن حياتنا على الإنترنت

الرئيس ترمب على وشك التوقيع على تشريع لنقض قوانين «لجنة الاتصالات الفيدرالية» التي تحظر على مقدمي خدمات الإنترنت بيع البيانات الخاصة بعادات عملائهم الخاصة باستخدامهم الإنترنت. وللجماعات الخاصة الحق في الشعور بالقلق، لكنني أتساءل عما إذا كان الهدف من كل تلك الضجة هو الصياح للحصان كي يعود بعد أن غادر الحظيرة أم لا.
قد يكون الأمر ينطوي على بعض الإزعاج أن شركتي «فيرزون» و«إيه تي أند تي» ستتمكنان من التصرف مثل موقعي «غوغل» و«فيسبوك». لكن «غوغل» و«فيسبوك» بالفعل يدركان ما نرفض نحن رؤيته: أننا لم نعد بشراً كاملين.
ربما لم نصل بعد إلى مرحلة نعمل فيها بالأسلاك مثل الروبوت، لكن مع كل هذا الوقت الذي نقضيه على الإنترنت، فإن انغماسنا في العالم الرقمي يتزايد بوتيرة كبيرة يوماً بعد يوم. فالهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والكومبيوترات لم تعد خدماً لنا منذ زمن طويل، ولا هم أيضاً سادتنا. فسواء كنا في البيت أو في العمل، في الشارع أو في السيارة، في المدرسة أو نقضي العطلة، فإن الأجهزة التي كانت يوماً ما أدواتنا باتت الآن من شركائنا بل مخلوقات متفاعلة معنا. فالآن أصبح من المستحيل تخيل اليوم من دون القدرة على التواصل في وقت الفراغ.
بتنا نطوف حول العالم بحثاً عن المعلومات الرقمية مع كل خطوة نخطوها. فسواء كنا نتصفح عبر الإنترنت أو نتصفح متجراً إلكترونياً، فالكائنات المتفاعلة معنا «هواتفنا» تحيطنا وتعانقنا، وتسرق منا الكثير. فنحن نحب أن نطلق على الأشياء التي نخلفها خلف ظهورنا «بيانات»، لكن الحقيقة هي أننا نتجاهل ما يسقط منا أثناء تجوالنا عبر الإنترنت. ففي أغلب الأوقات لا نبذل سوى قليل من الجهد لحماية مخلفاتنا، فنحن أشبه بمن يلقي بمخلفاته في الحمام ولا ينظر خلفه.
بالنسبة لوحوش الإنترنت مثل مؤسسات «فيسبوك»، و«أمازون دوت كوم»، و«غوغل»، فالبيانات تمثل لهم كنزاً دفيناً. فعمل تلك الشركات يعتمد على إيجاد طرق أكثر تعقيداً للتنقيب عما نخلفه وراءنا من معلومات سيشتريها المعلنون لاستهدافنا بصورة عشوائية، لكنها مؤثرة. صحيح أن تلك الحسبة قد لا تعمل بصورة صحيحة، فكلنا لدينا قصص عن إعلانات تصلنا عن منتجات نبغضها، لكنها أحياناً تصيب.
فعمالقة تقديم الخدمات مثل «فيريزون كوميونكيشنس أنك» و«إيه تي إن تي أنك» بصفة خاصة ينظرون بحسد إلى قدرة شركات التكنولوجيا الأخرى على استثمار آثار أقدامنا التكنولوجية. فمقدمو خدمة الإنترنت يحدقون بشرهٍ في السراديب المليئة بالبيانات التي تفوق في عددها ما تجمعه مواقع «غوغل» و«فيسبوك»، مما يجعلنا نتعجب من السبب في أن مقدمي تلك الخدمة، التي تجتاز إشاراتها شبكات الألياف الضوئية، تستطيع استغلال ذلك الكم الكبير من المعلومات، فيما يعجز أصحاب تلك الشبكات أنفسهم عن فعل الشيء نفسه. ففي القصة التي يسوقونها إلينا، فإن مقدمي خدمة الإنترنت يحاولون غمس إصبعهم في الماء، فيما يكون رد فعل الشركة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، والتي تشعر بالرعب من «غوغل» و«فيسبوك» موحياً بهذا الخوف، ولذلك تمنعهم حتى من الوقوف على الشاطئ، رغم أن القوانين الفيدرالية تعطي الجميع الحق في النزول إلى البحر.
هذا ليس نهاية الخصوصية، فقد انتهت الخصوصية بالفعل. فالقوانين الفيدرالية على وشك أن تُلقى جانباً، شأن كثير من القوانين والتشريعات.
وفي هذه الأيام، فإن شركات مثل «وول مارت» و«نوردستوم» قد تستخدم هاتفك الجوال، وتتصل بـ«الواي فاي» الموجود بالمتجر لتعلم عادات التسوق، وتـتتبع تاريخك مع عمليات الشراء لكي ترسل لك عروضاً مصممة خصيصاً لتناسب ذوقك ثم ترسلها إلى هاتفك.
في كتابه الشيق المزعج في آن الذي يحمل عنوان «الممشى له عيون»، انتقد الكاتب جوسيف تورو هذه العادة، لكنه أبلغنا عن المكان الذي جاءتنا منه، فهي الحاجة إلى منافسة موقع التسوق «أمازون» الذي استطاع بكل ما جمعه من معلومات عن عملائه، توجيه الإعلانات عن منتجات بسعر يناسب مستوى إنفاقك. ولذلك إن فشلت المتاجر التقليدية التي تعتمد على زيارات العملاء من تلقاء أنفسهم في مواكبة هذا التطور التكنولوجي، فسوف يعلوها التراب وستذهب إلى غياهب النسيان سريعاً.
افتتحت وكالة أمن قومي مركزاً لها منذ نحو ثلاث سنوات في ولاية أوتا، وينحصر نشاطها في حفظ البيانات. وتقدر قدرتها التخزينية على حفظ البيانات بنحو كوينتيليون بايت، ورغم أن هذه الشركة لم يعد مسموحاً لها بتخزين أغلب بيانات مكالماتنا الهاتفية، فإن المدافعين عن الخصوصية يعتقدون أن كمية ضخمة من المعلومات عن استخدامنا الإنترنت قد تكون محفوظة هناك (لا أقول إنهم على حق في هذا). كذلك علينا ألا ننسى قراصنة الإنترنت الذين يفعلون ما هو أكثر من السطو على بيانات محل تجزئة. والآن بعدما أصبح من الممكن مسح كل منفذ على الإنترنت من خلال «the IPv4 space» خلال دقائق معدودة، فمن السهل مهاجمة أي جهاز متصل. فإن كانت حماية جهازك ضعيفة، فسوف يتعرض للاختراق، هذا مؤكد وليس احتمالاً.
في الغالب سوف نشبه حرباً أهلية أخرى عبر الإنترنت، مثل تلك التي شاهدناها بين مواقع منع الإعلانات والشركات المنتجة لتلك الإعلانات.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»