شكراً لأنطونيو غوتيريش، الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، فقد ذهب إلى العراق. وزار 700 ألف لاجئ من عرب الموصل ينتشرون في العراء على حدود كردستان، فراراً من القتال الدائر بين القوات العراقية و«داعش» في الشق الغربي من المدينة.
جاءت الزيارة بعد تبادل الاتهام بين أميركا والعراق، حول الغارات الجوية التي أوقعت عدداً يتراوح بين ألفين إلى أربعة آلاف قتيل من المدنيين أخرجت جثثهم ممتزجة بشظايا أحجار من أنقاض أبنيتهم المقصوفة بقنابل الأعماق، بحجة الفتك بـ«الدواعش» المختبئين في الجحور التي حفروها في الأحياء القديمة.
انتهى الجدل بلا غالب ومغلوب. فقد تم الاتفاق على القول إن «داعش» تركت أمام الأبنية المقصوفة صهريجاً مليئاً بالمتفجرات. فانفجر بالقصف المتبادل. وانهارت الأبنية من شدة الانفجار! لكن المنظمة الدولية تطالب بتحقيق عادل أكثر جدية في تحمل المسؤولية أمام الإنسانية.
جرى التحضير لحرب الموصل منذ سنة. حشدت ألوية عراقية. وميليشيات شيعية بقيادات إيرانية. وميليشيات كردستانية. وباعت أميركا أحدث الطائرات من طراز إف 15 و16. في الهجوم، دُك شطرا المدينة المفصولان بنهر دجلة.
أين المفر أيها المدنيون؟ فالنهر أمامكم. والمتقاتلون بينكم. السؤال كيف رضي إنسانياً القادة العسكريون الشيعة لألوية الجيش العراقي بشن الهجوم، من دون أن يتأكدوا أولاً من إقامة حكومة بغداد لمناطق آمنة مجهزة بالإطفاء. والأدوية. والأغذية، كافية لإيواء مئات ألوف الموصليين المحاصرين الفارين؟
وهكذا، فحرب الموصل التي جرت بمشاركة أميركية صريحة، كانت حرباً مذهبية بكل معنى الكلمة بين السنة والشيعة. والهدف تماماً كما جرى في حرب حلب الشهيدة شقيقة الموصل: تفتيت الكتلة السكانية المدنية من عرب المشرق، تحت ذريعة القضاء على «إرهاب داعش» كما تدعي أميركا. أو بحجة «مكافحة الإرهاب» كما يزعم بشار الجعفري موفد بشار الطائفي لنسف محادثات جنيف (انتهت الجولة الخامسة من دون تقدم يذكر). وقاسم سليماني موفد خامنئي وفريدون روحاني، لتدمير سنة سوريا والعراق.
لا ننسى دور الأكراد (السنة) في كل مأساة تنزل بالعرب السنة في سوريا والعراق. فبعد استكمال سيطرتها على مدينة كركوك النفطية، لم تشارك «البشميركا» عملياً في حرب الموصل، كما تم الاتفاق بين مسعود برزاني وحكومة بغداد، إنما اتجهت إلى سهل نينوى الواسع في شمال المدينة، لتحتل القرى العربية هناك، معلنة أنها لن تنسحب منها.
أما أكراد حزب العمال الكردي في تركيا (المسجل إرهابياً لدى أميركا)، فقد أقاموا منطقة حكم ذاتي كردية في سوريا، تمتد بمحاذاة الحدود التركية من شرق الفرات إلى حدود العراق. وها هي أميركا ترمب، بعد أميركا أوباما، تزودهم بالدبابات، ليخوضوا حربها مرتزقةً لـ«تحرير» الرقة ودير الزور من «داعش». ولا يخجلون من الزعم بأنهم «قوات سوريا الديمقراطية» المطعمة بعربان مقاتلين معها!
أسمي الحروب الدائرة بأسمائها الطائفية والمذهبية، لكي يفهم ويدرك مئات ملايين العرب في المشرق. والمغرب. والخليج (العرب يعدون حاليا نحو 400 مليون إنسان)، أن هناك كتلة سكانية عربية (سنية) مؤلفة من 23 مليون سوري و15 مليون عراقي. وخمسة ملايين فلسطيني يجري تدميرهم. بالإبادة الجماعية. وطردهم وتهجيرهم من مدنهم وقراهم. واغتصاب ونهب أراضيهم الزراعية، فيما تقف حكومات عربية على «الحياد» و«عدم الانحياز»، في معركة حياة أو موت للعرب والعروبة في المشرق واليمن.
لا أغرب الشيعة عن العروبة، كما فعل صدام. شيعة المشرق العربي جرى خطفها من عروبتها في العراق. وسوريا. ولبنان، لخدمة مشروع الهيمنة الفارسية على المشرق. حزب الشيعة الذي أنشأته المخابرات الإيرانية في لبنان منذ 35 سنة. وقالت للعرب إن تسليحه يستهدف حماية لبنان من إسرائيل، ها هو يدمر الديمقراطية اللبنانية. ويذبح العرب السنة في سوريا.
كفانا سياسة! هناك 108 ملايين جائع في العالم، حسب تقرير أممي وأوروبي. هناك 17 مليون جائع في اليمن مهد «العرب العاربة» في لغة علم الأصول (علم الإثنية). ملايين السوريين جائعون في سوريا. ولبنان. والأردن. هناك عرب جائعون في الرقة. ودير الزور. لا يجدون مع أطفالهم عشاء يومهم.
احتلت القوات الشرعية اليمنية ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر. لكن لم تتمكن بعد من الوصول إلى ميناء الحديدة الاستراتيجي. فقد استمات الحوثيون في الدفاع عنه، لتأمين وصول الأسلحة والصواريخ الإيرانية التي يقصفون بها مدن الحدود السعودية. وليس لتأمين وصول أغذية الإغاثة الدولية والعربية.
لنتذكر الإنسان والإنسانية. هناك عشرات ألوف السوريين الذين تحتجزهم المخابرات السورية في زنزانات أقبيتها القذرة المليئة بالقوارض والحشرات السامة. والجراثيم الفتاكة. مئات المعتقلين يموتون يومياً وأسبوعياً. ويدفنون في قبور جماعية مجهولة. وهناك ألوف محتجزون في معسكرات التنظيمات الدينية المسلحة التي تدعي أنها تطبق عليهم حكم العدالة الإسلامية. وتنفذ «داعش» و«جبهة النصرة» و«القاعدة» إعدامات يومية في سوريا. واليمن. وباكستان. وأفغانستان. والصومال.
نعم، لنتذكر الإنسانية. صار لضباط المخابرات الإسرائيلية أسماء معروفة. وهم لا يجرؤون على زيارة بلدان «صديقة» لإسرائيل، خوفاً من أن يطالب العرب بمحاكمتهم أمام العدالة المستقلة عن السياسة. وصار لضباط المخابرات السورية أسماء مشهورة عربياً ودولياً. مع ذلك يجري إرسالهم بمهمات دبلوماسية إلى روسيا. والصين. بل لدول عربية. وهم مطلوبون للعدالة، بموجب مذكرات تحقيق أو توقيف من الشرطة الدولية (الإنتربول). فلماذا لا تعتقلهم الدول المضيفة لهم. وتسلمهم إلى العدالة الدولية؟
«الفيتو» الدولي الذي تستخدمه بكثرة روسيا. والصين. وأميركا، يحمي هؤلاء المجرمين. لماذا لا يشكل الأمين العام للأمم المتحدة لجنة دولية، لتعديل ميثاق الأمم المتحدة، ولوضع حد لاستخدام «الفيتو»، على الأقل لحماية حقوق الإنسان، إذا كان مستحيلاً إلغاؤه لأسباب سياسية؟
التقطت فتاة سورية تعمل في إسبانيا، بالمصادفة، صورة لشقيقها الذي قتلته المخابرات السورية، منشورة على الإنترنت. فأقامت دعوى أمام القضاء الإسباني على كبار جنرالات المخابرات السورية، وبينهم المجرم المشهور علي مملوك. لا علاقة للعدالة بالسياسة. فقد قبل القضاء الإسباني الدعوى. ويعد حالياً ملفات لهؤلاء المجرمين، لملاحقتهم في إسبانيا وأمام المحاكم الدولية.
أوشكت محكمة الشهيد رفيق الحريري على إصدار حكمها بالتفصيل، بأسماء المدانين. وحيثيات الإدانة. واغتال الجناح الاستئصالي في النظام السوري زعماء لجنة «إدارة الأزمة». فأعلنت المعارضة الدينية المسلحة أنها هي التي اغتالتهم. فقوضت بسذاجة الفرصة السانحة لاتهام النظام دولياً بارتكاب الجريمة.
ثم أجبر النظام فاروق الشرع. ومن لف لفه من الخانعين وأركان النظام على تشييعهم ومواساة أهاليهم. ولم يصدر التحقيق إلى الآن في مقتل العماد حسن تركماني. والعماد داود راجحة، وزيري الدفاع السابقين. والعماد آصف شوكت نائب وزير الدفاع، وزوج بشرى شقيقة الدكتور «أبي لمعة الأصلي» رئيس النظام.
7:30 دقيقه
TT
كفانا سياسة ولنتذكر الإنسانية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة