في عام 1981، استهل الفيلسوف ألسدير ماكنتاير كتابه عن الفلسفة الأخلاقية، الذي صدر تحت عنوان «بعد الفضيلة»، بفقرة تحظى بشهرة كبيرة حالياً. في تلك الفقرة، قال الكاتب: «تخيل لو أننا فقدنا الترابط النظري للعلوم، وتخيل لو أننا لا نزال نستخدم المصطلحات العلمية مثل النيترون والوزن الذري لكنا نفتقد الإطار الكلي لشرح طريقة عملهم سوياً». وبحسب ماكنتاير، فهذا هو حال أخلاقنا اليوم، فلا نزال نستخدم كلمات لوصف الفضيلة والرذيلة، لكن من دون التطرق لقوى ما وراء الطبيعة التي تحكمها. فالأطر الدينية (في الغرب عموماً) لم تعد تحكم الجدل العام، كذلك انهارت الفلسفات العلمانية التي ظهرت في عصر التنوير. فنحن لدينا كلمات وأحاسيس فطرية غريزية تحدد شعورنا بالصواب والخطأ، لكننا نفتقد إلى وجود معايير ثابتة تساعدنا في التفكير والنقاش واتخاذ القرار.
يبدو هذا التشخيص صحيحاً لكثير من الناس، ويبدو وكأنه يشير إلى ثقافة النسبية السهلة. فمن دون معايير مشتركة للحكم على التصرفات الأخلاقية، فسوف نصبح جميعاً عاجزين عن إصدار الأحكام؛ بمعنى أننا سنكون نسخاً مائعة متعددة من شخصية سنوب دوغ (أو الكلب المتطفل).
لكن ليس هذا ما حدث. فلم ندخل عصر الخضوع النسبي البرجوازي، لكن ما حدث هو أن المجتمع أصبح ساحة سباق حر في تدمير المواجهات الأخلاقية؛ مثل ما شاهدناه من تعصب أحمق من الطلاب بكلية مدلبري وفي غيرها من أماكن السكن الطلابي بمختلف أنحاء البلاد، وفي كم الحنق الذي أبدته جماعة «الحق البديل»، والحشود الضخمة التي نراها في كل قاعة اجتماعات بأي مدينة بمجرد الإعلان عن نقاش في موضوع ما.
فالحياة الأميركية أخذت طابعاً علمانياً، واندثرت الآيديولوجيات السياسية الكبيرة، لكن ما ظهر على السطح ونما هو الصراع الأخلاقي. في الحقيقة، هؤلاء هم أقل الناس ذهاباً إلى دور العبادة، مثل جماعة «الحق البديل» التي يبدو أعضاؤها الأكثر حماسة بين كل المسيحيين المتشددين.
فنحن جميعاً نعيش في عصر من الضغوط الأخلاقية الكبيرة، حتى وإن افتقدنا الكلمات التي نصف بها ذلك. فبحسب وصف الكاتب ويلفريد ماكلاي في مقاله العبقري: «الإصرار العجيب على المعصية» المنشور بصحيفة «هيدجهوغ ريفيو» الدين يبدو في تقهقر، فيما تبدو المعصية أقوى وجوداً من أي وقت مضى.
فالتكنولوجيا تمنحنا القوة، والقوة تتبعها مسؤولية، والمسؤولية، بحسب ماكلاي، تقود إلى المعصية. فأنت وأنا ننظر إلى صورة طفل يتضور جوعاً في السودان، وكل ما نفعله هو أننا نشعر داخلياً بأننا لا نبذل جهداً كافياً لمساعدته.
«فأياً كان حجم التبرعات التي أقدمها إلى الجمعيات الخيرية فلن يكون العطاء بالحجم الذي أتمناه. فأنا لن أستطيع تقليص انبعاث الكربون بدرجة كافية، أو أن أدفع للفقراء بالقدر الكافي، أو أن أقضي على الاستعمار، والعبودية، والفقر الهيكلي، وتلوث المياه، وإزالة الغابات. فهناك قائمة لا نهاية لها من الأشياء التي أستحق أنا وأنت اللوم عليها».
* خدمة «نيوريوك تايمز»