وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

الأبعاد السياسية للإنزال العسكري الأميركي

هل بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب تطبيق شعاره الانتخابي «أميركا أولاً» انطلاقاً من سوريا، أم إن الإنزال الأميركي الجوي في منطقة الرقة لا يخرج عن النهج الذي التزمه ترمب منذ دخوله إلى البيت الأبيض، أي «إزالة آثار» السياستين الداخلية والخارجية لسلفه الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، والتعامل مع عهده كأنه لم يكن؟
ربما كان دافعاه؛ الحزبي والقومي - والأصح «الشوفيني» - وراء قراره تعزيز الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وهو، حتى بمقاييس دونالد ترمب، قرار جريء إذا ما قوّم على خلفية مشاعر الرأي العام الأميركي الذي تجاوب مع موقف الإدارة السابقة بتجنب توريط «الأحذية الأميركية العسكرية» في حرب برية في سوريا.
هل فتح قرار الرئيس دونالد ترمب صفحة جديدة في استراتيجية واشنطن حيال النزاع السوري من شأنها أن تقلب موازين القوى الراهنة وتسرّع التسوية السياسية المنتظرة؟
عديد قوة الإنزال الأميركي في منطقة الرقة - المعلن عنه رسمياً في واشنطن - لا يوحي بأنه «أول الغيث»، أو أن احتمال تحوله إلى رأس حربة تدخل واسع النطاق، وارد في حسابات البنتاغون، رغم أن سيناريو إيفاد «مستشارين عسكريين» إلى سوريا يشبه سيناريو بدايات التدخل الأميركي العسكري في فيتنام عام 1954.
في غياب حسابات الحرب الباردة التي بررت، على صعيد الرأي العام الأميركي، التدخل العسكري المباشر في فيتنام، تبدو العبرة السياسية للإنزال الأميركي أبلغ من عبرته العسكرية، خصوصاً أنه تم وسط «صمت» روسي ملحوظ هو أقرب ما يكون إلى حالة تواطؤ روسي - أميركي منه إلى مجرد قبول روسي بالأمر الواقع.
على هذا الصعيد، قد يكون «للصمت» الروسي أكثر من دافع:
- بادئ ذي بدء؛ لا يبدو الرئيس بوتين في وارد استفزاز الرئيس ترمب وهو لا يزال في مطلع عهده ولا تزال أولوياته الدولية غير واضحة المعالم؛ علماً بأن بوتين يعدّ تفاهمه مع ترمب على تسوية الخلافات الأوروبية (جورجيا وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم) وتسوية علاقات بلاده الاقتصادية مع الغرب، أهم من خلاف محتمل معه حول سوريا.
- روسيا لا تتطلع - في هذه المرحلة على الأقل - إلى منافسة زعامة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ بل إلى «مشاركتها» القرار السياسي في إطار «ثنائية دولية» تبدو أقرب منالاً لموسكو من الزعامة المطلقة ما دام التفوق الاقتصادي والتكنولوجي الأميركي عليها مستمراً.
- فيما خص سوريا بالذات، ضمن الرئيس بوتين مسبقاً مصالح بلاده الاستراتيجية في المنطقة السورية الأكثر ولاء لنظام حليفه الرئيس بشار الأسد (محافظة اللاذقية)، تاركاً المنطقة المرشحة للتحول إلى «خط تماس» في حرب الكر والفر مع تنظيم داعش - أي شرق سوريا - لعناية الإدارة الأميركية وحلفائها المحليين.
على الصعيد الاستراتيجي، بات واضحاً أن الولايات المتحدة لا ترى خلاصاً من «الإرهاب الدولي» خارج نطاق القضاء عليه في مهده، خصوصاً أنه، في حساباتها الأمنية، فاق الخطر الشيوعي السابق عليها، باستهدافه الأمن في عقر دارها.
ولكن من غير الواقعي إغفال الإطار الزمني للإنزال الجوي الأميركي في سوريا؛ فقد تم على خلفية الدعوة إلى عقد مؤتمر في واشنطن للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وفي سياق التحضير لاستئناف مفاوضات التسوية السياسية السورية في «جنيف5»، وهما استحقاقان يبرران اعتبار الإنزال الأميركي بمثابة رسالة لروسيا - ربما تم الاتفاق عليها سلفاً - تؤكد قبول واشنطن مشاركة روسيا في حرب شاملة على «الإرهاب الدولي» وإشراكها أيضاً في تقرير مستقبل سوريا وربما خريطة الشرق الأوسط الجديد.
وفي حال توصل مؤتمر واشنطن الموعود إلى الموافقة على اقتراح إدارة الرئيس ترمب إقامة مناطق آمنة في سوريا، تكون ملامح الخطة الأميركية للتسوية السورية بدأت تتضح... بموافقة موسكو العلنية عليها أو «بصمتها» عنها.