سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

القمة: رؤساء الأركان

الغضب سيئ. ومعيب أيضاً. ولا يليق بالحرصاء على الحدود الدنيا في كل شيء. وغوته قال: «لا جمال في الغضب»، تجنباً للقول إنه بشع. ولست غاضباً، لكنني حزين. وأنا حزين لأنني لم أعثر مذ وعيت، على أي فرح غير متقطع أو مقطوع، لي ولأهلي ولأمتي ولدياري. كلما تأملت أملاً، خرج من يدوس عليه. كلما حلمت بالسكينة لأهلي ورفاقي وأبنائي، قام من يشردنا. كلما قلت الحرية عطية الخالق، بشروا أمتي بالسجون، ودقوا للحرية على التنك، وسُلّمت المحابر لكتّاب العبوديات ومجانين الحقد.
لست غاضباً. لكنني لست فرحاً، وبي يأس يملأ القارات. كلما حان موعد قمة عربية أراني أنظر خلفي، لا أمامي. كيف تدهورنا من ذروة الشعوب إلى مساقط الأمم؟ لم تعرف الإنسانية نزوحاً جماعياً، كما عرفنا في سوريا والعراق، منذ تقسيم الهند. وما انتهى شيء بعد. تنعقد القمة العربية فيما قادة الأركان الروسية والتركية والأميركية، يبحثون مستقبل القضية السورية. مرة في آستانة، مرة في جنيف، ومرة في موسكو. القمة العربية لا شأن لها بأهم مسألة عربية منذ 1948. لا أحد يعرف سوريا إلى أين، ولا نحن جميعاً، أين أو إلى أين. أو كيف. أو متى.
وعندما نكتب عن الحقائق، يقفز الإباء العربي ليقول لك: حذارِ جلد الذات. كأنما هذه الذات لا تزال فيها أحاسيس بشرية ومشاعر وبقايا كرامة إنسانية. مَن منّا يعرف ماذا في ليبيا، التي كان الأخ القائد يحوّل كل قمة عربية إلى عرض هزلي؟ ومن منّا يعرف في أي سجل يدون علي عبد الله صالح بطولاته التاريخية إلى جانب الحوثيين؟ ومن منّا يعرف إذا كانت المجاعة التي في الصومال أكثر فظاعة وقسوة من ميليشياته؟ ومن منّا يعرف من هو الحايك الحقيقي في سيناء؟ ومن يعرف لماذا تستعرض إيران قوتها الجوية فوق السفن الأميركية في بحر العرب؟ ومن منا يعرف ماذا بحث نتنياهو مع بوتين في خمسة لقاءات خلال 20 شهراً؟ وما، ومن أعاد رئيس الأركان الأميركي إلى الساحة السورية بعد الغياب الطويل إبان أوباما؟
ومع ذلك، فلتعقد القمة العربية، بحيث يتسنى للشعب العربي، إذا شاء، أن يتأمل حاله وماضيه وبقايا المستقبل. علّ هذا الشعب يصغي مرة إلى صوت العقل والفكر والحقيقة والضمير، بدل المضي في الإصغاء فقط إلى صخب القنوات والإذاعات والصياح، فيما الأمم تبني وتتقدم وتنمو وتقترب من سكنيتها، لا يقلقها سوى ضجيج واحد، هو ضجيجنا وخيامنا ومراكبنا.