فوزية سلامة
TT

دعاء وإيمان

سألني زوجي ماذا أتمنى في الفترة المقبلة لكي يساعدني على تحقيق أمنياتي. ودون تفكير قلت إنني لا أتمنى سوى الشفاء؛ شفاء لا سقم بعده، وبما أنني لا أملك الأدوات التي تحقق الأمنية فلا يسعني سوى الدعاء.
غير أنني اكتشفت في الفترة الأخيرة أن الدعاء الصادق مستجاب، فقد دفعني الشوق والإحساس بالواجب إلى زيارة الوطن مؤخراً لكي أجتمع بأسرتي فيروني في حالة طبيعية حيث إنني ما زلت مقبلة على الحياة والعمل وزيارة الأحباء والأصدقاء. وفي نهاية الزيارة أدركت أن الله استجاب للدعاء بطريقة لم يهدني إليها تفكيري الإنساني المتواضع، فقد وجدت نفسي محاطة بمحبة ثلاثة أجيال من أسرتي، أي إخواني وأولاد أختي وأزواجهم وأولادهم الذين ولدوا وأنا بعيدة عنهم. ووجدت نفسي موصولة بكل أفراد أسرة زوجي وأولادهم وأحفادهم. ثم جاءت المفاجأة الكبرى وهي أن أسرة زوجي الأول الذي توفي منذ فترة طويلة سافروا من الإسكندرية إلى القاهرة، ثلاثة أجيال منهم، لزيارتي والدعاء لي بالشفاء.
ودون أن أدرك شعرت بتحسن كبير بدءا بالاستغراق في نوم هادئ ليلا ومروراً بالإقبال على الطعام الذي كانت نفسي تعافه قبل الرحلة.
بعد عودتي إلى لندن زرت الطبيب فكان أول ما قاله لي هو أنني أبدو في حالة أفضل. فقلت له أن لا شيء يعادل رابطة الدم في ثقافة الشرق، وإن محبة الأهل هي أفضل دواء.
في الطريق إلى البيت قال لي زوجي إن قوة الإيمان هي الدواء الأقوى. فتذكرت دموعا ذرفت في الحرم المكي أثناء تأدية العمرة ودعاء صامتا لله بأن يشفيني وألا يحملني ما لا طاقة لي به، بحيث يؤمن من يداخله شك بأن الله يقول للشيء كن فيكون.
* وما إن تراجعت ذاكرتي عن تلك التجربة حتى تذكرت قصة رواها لي أخي الكبير أثناء زيارتي للوطن. فهذا الأخ الذي أجلّه وأحبه كثيرا تقاعد مؤخراً عن عمله كإخصائي في طب العيون. وكنت أهديته قارورة معبأة بماء زمزم حملتها له بعد رحلتي إلى الحرم الشريف. وهنا تداعت ذكرياته فقال: منذ زمن جاء إلى عيادتي رجل ومعه صبي صغير في نحو التاسعة وطلب مني أن أفحص عيني الصبي. عند الفحص اكتشفت أن الصبي يعاني انفصالا في شبكية العين وأن قدرته على الإبصار سوف تتدهور تدريجيا إلى أن تصل إلى انعدام الرؤية. وفي تلك الأيام لم يكن العلاج الجراحي متطورا بما يكفي فنهيته عن المحاولة. وانصرف الرجل والصبي. ومرت فترة زمنية طويلة نسبيا وعاد الرجل إلى العيادة ومعه ولده. والحقيقة هي أنني لم أتذكره لأن في مثل العمل الذي كنت أمارسه يلتقي الطبيب بمئات من المرضى. المهم هو أنني أجريت الفحص للصبي ووجدت أن نظره سليم ويكفي للقراءة بلا معاناة. وقلت للأب إن الصبي لا يحتاج إلى نظارة طبية. فنظر إليّ الرجل طويلا وقال لي: أنت لا تتذكرني. لقد أحضرت هذا الصبي إليك وقلت لي إنه لا علاج له في الوقت الحالي فانصرفت. فنظرت إليه وتذكرت الموقف ولم يسعني سوى أن سألته: ما الذي أعاد للصبي بصره إذن؟ فقال إنه قطر للصبي في عينيه ماء زمزم بانتظام إلى أن زالت عنه أعراض المرض.
فـ«إن ينصركم الله فلا غالب لكم».