كانت مذبحة مساء يوم الاثنين، كما يطلق حتمًا على إقالة الرئيس دونالد ترمب لسالي ييتس، وزيرة العدل بالوكالة، تفتقر إلى الجنون الكبير الذي اتسمت به واقعة إقالة ريتشارد نيكسون الشهيرة لأرشيبالد كوكس، ممثل الادعاء العام الخاص، في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي دفعت كلاً من ممثل الادعاء العام ونائبه إلى الاستقالة.
يحمل عزل ترمب الفوري لييتس لرفضها تطبيق أمره التنفيذي الخاص بالهجرة رمزية؛ نظرًا لكونه في بداية فترته الرئاسية، على عكس واقعة نيكسون التي جاءت قرب انتهاء فترته الرئاسية. مع ذلك، كان ما فعله ترمب يفوح برائحة التكبر المدمر للذات مثل حالة نيكسون. وفي الوقت الذي يعد فيه هذا ضمن حدود السلطة التنفيذية، كشف ما فعله الرئيسان عن سجايا رئيس يعتقد أنه يستطيع أن ينجو بإقالة تابع لتفادي الإحراج بسبب اتجاه مؤسسات الحكومة نحو معارضته. لقد تبين أن نيكسون كان على خطأ، ورغم أن ترمب لا يواجه خطر تلقي اتهام فوري، فقد يلحق بإدارته الخزي لفترة طويلة بسبب هذه الفعلة.
من البديهي أن هناك أوجه اختلاف بين العملين؛ فقد أقال نيكسون كوكس لأنه كان قد اقترب جدًا من إدارة نيكسون في التحقيق الخاص بووترغيت. واستقال كل من إليوت ريتشاردسون، ممثل الادعاء العام، ونائبه ويليام راكلسهاوس، ولم يفعلا ما فعله نيكسون ويقوما بإقالة كوكس. على الجانب الآخر، أقال ترمب ييتس لأنها أصدرت بيانًا عامًا تؤكد فيه أنها لن تصدر تعليمات لمحامي العدل بالدفاع عن ذلك الأمر التنفيذي؛ لأنها لا تعتبره قانونيًا. وكان هذا بالتأكيد تمردًا وعصيانًا.
مع ذلك، كان عصيانًا يستند إلى القانون، وهو النوع من العصيان الذي يقدمه أساتذة القانون أمثالي لطلبتهم مثالاً على الواجب العام، مثل رفض كوكس التراجع في تحقيقه الخاص بالرئيس الذي قام بتعيينه «بشكل غير مباشر».
لقد كان بيان ييتس مميزًا، حيث بدا أنه يقرّ بأن مكتب الاستشارات القانونية في وزارة العدل، الذي تجاهله ترمب قبل إصداره ذلك الأمر التنفيذي، راجع منذ ذلك الحين الأمر ووجد أنه دستوري. مع ذلك أصرت ييتس على التصريح بأن من واجبها بصفتها وزيرة للعدل بالوكالة يختلف عن واجب المكتب؛ وفي قيامها بذلك وجهت ضربة قوية مدمرة للمكتب.
ذكرت ييتس أن المراجعة، التي قام بها مكتب الاستشارات القانونية، تقتصر على الإجابة عن السؤال المحدود عما إذا كان الأمر التنفيذي المقترح قانونيًا من الناحية الشكلية ومصوغًا بشكل صحيح أم لا. كان الهدف من التأكيد على أن مكتب الاستشارات القانونية لم يراجع سوى نص الأمر، لا في سياقه، هو توضيح أن مراجعة المكتب للأمر التنفيذي لم يأخذ في الاعتبار التقارب الزمني بين التصريحات الصادرة عن الإدارة أو المؤسسات البديلة، وبين الأمر التنفيذي، وعلاقته بالغرض منه.
لقد كانت ييتس تشير بوضوح إلى تعليقات ترمب لشبكة «كريستيان برودكاست نيتوورك»، وتغريداته على موقع «تويتر» التي تشير إلى أنه يفضّل هجرة المسيحيين عن هجرة المسلمين. كذلك، هناك قول رودي جولياني، عمدة نيويورك السابق، ومستشار ترمب الخاص، الذي يبالغ هو في تعظيمه، بأنه وآخرين سينفذون أمر ترمب من أجل فرض حظر قانوني على دخول المسلمين للبلاد. ما كانت ييتس تقوله هو أن تلك التصريحات تقدم سياقًا يوضح أن الأمر التنفيذي قد صدر في إطار العداء الديني للمسلمين. وهذا صحيح كما أوضحت يوم الاثنين.
لم تتوقف ييتس عند هذا الحد، حيث قالت إن وظيفتها، على عكس وظيفة مكتب الاستشارات القانونية، تحتم عليها النظر «فيما إذا كان هناك أي اختيار سياسي متجسد في الأمر التنفيذي حكيمًا أم عادلاً أم لا». وينطبق هذا في حالة شخص يشغل وظيفة سياسية، مطلوب منه النظر في مدى الالتزام الأخلاقي في تشريعات الحكومة، لا في مدى قانونيتها فحسب.
أخيرًا، أشارت ييتس إلى «التزام هذه المؤسسة الجاد بالسعي إلى تحقيق العدالة، والدفاع عن الحق». وكان للإشارة إلى الطبيعة المؤسسية لوزارة العدل دلالة كبيرة، حيث تقول ييتس إن الوزارة تحمل على عاتقها منذ مدة طويلة التزامًا بالدفاع عن مبدأ سيادة القانون يتجاوز أي إدارة بعينها.
إن هذا لموقف ملهم لوزيرة تتولى قيادة وزارة تحمل اسم وزارة العدل، لا وزارة اتباع الأوامر. كذلك، كان ذلك الموقف يتسم بالشجاعة، حيث تعد وزارة العدل من الناحية الفنية جزءًا من السلطة التنفيذية، ويخدم العاملون بها، باستثناء موظفي الخدمة المدنية الدائمين، الرئيس ويلبون رغباته. ويحق للرئيس أن يفصلهم من العمل مثلما فعل مع ييتس، ومثلما فصل نيكسون كوكس عن العمل.
مع ذلك، البنية المؤسسية لوزارة العدل أكبر من أي موظف أو عامل، أو أي رئيس. وتتمتع وزارة العدل بمكانة كبيرة عتيدة بصفتها مؤسسة حكومية عملت من أجل القضاء على التمييز العنصري في المدارس، وناضلت من أجل الحقوق المدنية للمرأة، وللمثليين، وغيرهم. يمكن أن يتم إهدار كل ذلك في لحظة، لكنه لن يحدث وهي شاهدة من موقعها، كما قالت.
يبدو أن ترمب يعتقد أن حقه القانوني في إقالة ييتس، وتعيين بديل لها، سيجعله يحظى بمكانة من الناحية الأخلاقية. ووصف البيان الصادر عن البيت الأبيض بشأن الإقالة ييتس بأنها قد «خانت» الإدارة، وهي لغة توضح بشكل صادم الفكرة الغريبة بأن ييتس، التي عينها أوباما، كان ينبغي أن تكون مخلصة لترمب أكثر من إخلاصها لدستور وقوانين الولايات المتحدة التي أقسمت على الدفاع عنها.
ستلاحق هذه الإقالة ترمب، ليس فقط حتى نهاية فترته الرئاسية، بل في كتب التاريخ أيضًا. تحظى مؤسسات مثل وزارة العدل بالثقة في مجتمعنا لأنها تتجاوز أي ولاء لرئيس أو لحزب. من يعملون في وزارة العدل يمثلون ويدعمون مبدأ سيادة القانون، طبقًا لتعريفه في ضمائرهم، ولا يمثلون هوى ونزوات الرئيس الذي يعملون لخدمته.
يعد رفض حكم مستقل صادر عن مسؤولين في وزارة العدل بمثابة رسالة تؤكد عدم احترام مبدأ سيادة القانون الذي يمثلونه. ربما يكون ترمب رئيس السلطة التنفيذية، الذي يمتلك صلاحية التعيين والإقالة، لكنه سيتعلم بالطريقة الصعبة أنه ليس أكثر نفوذًا من مؤسسات السلطة التنفيذية، وما تدافع عنه وتمثله من التزامات. الحمد لله على ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
8:2 دقيقه
TT
الدستور يربح في المواجهة بين ترمب وييتس
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة