أخي الحبيب محمد..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فلقد تركتنا في دار الفناء... فإلى دار البقاء، لتكون، بإذن الله، مع الأنبياء، ومن سبق ممن تحب. فهنيئًا لك. ونحن نفرح لك لأنك اقتربت من الله، كما نفرح لك لما خلّفت من محبة الناس لك. شاهدناها في الجموع التي قدمتْ لتشاركنا عزاءك وشاهدناها فيما كُتب عنك من قِبل محبيك وحتى من قبل مَن عادانا. فالكل عبّر عن المودة والاحترام والتقدير، والبعض أضاف لك مسؤوليات لم تمارسها، ولا أشك أن ذلك نابعٌ من المودة التي يكنونها لك.
فهذا العزاء والإطراء كبير، لأنك أنت كبير.
أول ما وعيته عنك هو كبر يديك التي حملتني وأنا طفل لتداعبني، ثم انبهرت عيناي بجسمك الفارع الطول، وكبرت أنا، وأنت ما زلت تبهرني. بهرتني بحذق رمايتك في صيد الحبارى والظباء وببندقية النيمس ذات الرصاصة الواحدة، وكنت أشعر بالفخر عندما كنت تكسب تحديات الرماية على الشارة.
وكنت أشاهدك وأنت تمارس الفروسية وأتعجب من حسن مسايستك للخيل.
بهرتني عندما تخرجت من الجامعة كأول حامل شهادة جامعية من آل سعود. وانبهرت عندما توظفت في مؤسسة النقد على المرتبة التي هيأتها لك شهادتك ولم تسع لوظيفة أعلى على الرغم من مركزك الاجتماعي. تدرجت في الوظيفة حتى انتقلت إلى وزارة الزراعة. وهناك، بهرتني بالحديث عن طريقة لتحلية مياه البحر للشرب وتوليد الكهرباء في آن واحد. ثم اعتمدتها الحكومة لتصبح المملكة أكبر منتج للمياه العذبة والكهرباء من مياه البحر، ووصلت المياه إلى كل أنحاء البلاد.
وعندما ترجلت من عملك في الدولة، انطلقت في تأسيس مدارس «المنارات» لتعنى بالبنين والبنات وبناطقي اللغة العربية ومن لا ينطقها. ثم وخلافًا لمعارضة أصحاب فكرٍ، ورجال أعمال وسلطةٍ، شرعت في وضع أسس الاقتصاد الإسلامي مع كوكبة ممن استقطبتهم للعمل معك. وها نحن اليوم نرى حتى المؤسسات البنكية في الدول التي لا تدين بالإسلام تؤسس خدماتٍ بنكية مبنية على المبادئ الإسلامية. ولكن بقي أبهر حلمٍ من أحلامك لم يتحقق، وهو فكرتك بأن تجلب أحد جبال الجليد التي تنفصل من القطب الجنوبي إلى المملكة ليكون خزانًا للمياه العذبة تتزود بها مدن الساحل على البحر الأحمر. أنت من تحمّل تكاليف دراسة المشروع، وعقدت مؤتمرًا عالميًا بالتعاون مع إحدى الجامعات العالمية للتنبيه إلى ذلك. وما بهرني فيك هو صلابة رأيك وقبولك للنقاش مع من يختلف معك وسعيك للإقناع بالحجة.
وأكثر ما بهرني فيك هو حنانك الذي ضاهى كبره كبر جسدك. فكثيرًا ما فرجت كربة المحتاج وكثيرًا ما مددت يدك للمعوز.
رحمك الله، أخي محمد. ملأت حياتنا بكبر أعمالك وها أنت تلقى من الناس الحب الكبير.
8:2 دقيقه
TT
محمد الفيصل: صلابة الرأي وسماحة الاختلاف
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة