حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الفصائل السورية: «قل هو من عند أنفسكم»

قبل أن يستبق أحد غاية المقال من عنوانه ويقفز لنتائج مشوهة، أقول إن من لديه الحد الأدنى من الاطلاع على أحوال الصراع بين الشعب السوري ونظامه الطائفي الدموي الوحشي، يدرك الحقيقة المرّة التي تقول إن التراجع المأساوي للثورة السورية وخسارتها في معركة حلب جاء متوقعًا ولأسباب كثيرة، منها أنها تواجه ثلاثة جيوش منظمة؛ جيش النظام السوري، وجيش النظام الإيراني، وجيش روسيا الدولة العظمى ذات القوة النووية، وأيضا الخذلان العربي والإسلامي وبقية الدول المؤثرة والمنظمات الدولية من أن تتدخل بأي صورة لإنهاء هذه المآسي التي تسببت في ذبح مئات الألوف وتهجير الملايين، كل هذا مدرك ومفهوم، لكنه ليس كل شيء.
بل ليس من المنطق التعويل في أي منازلة مع أي نظام وحشي جبروتي مستبد على الدعم الخارجي أو التباكي على خذلان الشقيق والرفيق والصديق، ولا تبرير الخسارة بسبب قوة الخصم وتآمر القوى الدولية وإلا ضاعت المطالب وانتُهكت الحقوق، ومن يسبر أحوال الشعوب المنكوبة باستعمار أو أنظمة مستبدة في التاريخ القديم والحديث يجد أن المنازلات بدأت غير متكافئة، ولهذا لا تثريب على المناهضين للدول القمعية الدموية الطائفية مثل النظام السوري والإيراني إذا هزموا في معارك معدودة، لأن المعول عليه نتائج الحرب لا المعارك.
والثورة السورية ليست بدعًا من الثورات، لكن الذي صنع الفرق المؤسف في تجربة الثورة السورية، وحوّر مسار النزالات لصالح نظام بشار الأسد الطائفي، وأدت إلى هذه الخسائر الكارثية في حلب وغيرها من البلدات السورية؛ عوامل عدة أشرت إليها آنفًا، لكن يبقى العامل الأكثر تأثيرًا تفكك وتشظي الثورة السورية وفصائلها المسلحة ومعارضتها السياسية إلى أعداد كثيرة مخزية، وصلت حسب المصادر المتخصصة في الشأن السوري إلى أكثر من مائة فصيل مسلح ومعارض، ولا ريب أن تعدد زوايا الاختلاف لا يعيب أي حراك سياسي أو مسلح، فهذا موجود في كل الأزمنة والأمكنة، ولكن العيب والخزي أن تختلف الفصائل وتتفكك، ثم يتفكك المتفكك، ويتشظى المتشظي، والسوأة الكبرى هي التقاتل الدموي بين الذين يقاتلون نظامًا دمويًا وينشدون التعددية وهم لا يعترفون بالتعددية، هذا الاختلاف والتفرق في المواقف حد الاقتتال البيني، وهم يعلمون أنهم يقاومون نظامًا طائفيًا أذاق الشعب السوري مر الكبت والذبح والاستئصال والظلم على مدى أربعين عامًا.
ولا ينفك العجب من تساؤل بعض المتعاطفين مع الفصائل السورية الإسلامية المتنازعة عن هذه الهزائم أو الانكسارات في مسيرة النزاع المسلح مع بشار الأسد وزمرته ويقولون: كيف لمن هم على الحق وينشدون الحرية أن ينهزموا أمام نظام وحشي بليد متكلس يعتمد على دعم المتعصبين في طائفة لا تتجاوز العشرة في المائة من الشعب السوري؟ والجواب المنطقي هو في التعبير القرآني «قل هو من عند أنفسكم»، وهو الجواب ذاته الذي عرضه القرآن للصحابة حين تساءلوا عن سبب هزيمتهم يوم أُحد «أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم»، فقد اندهش الصحابة للهزيمة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم في صفوفهم وهم يصدون جيشًا معتديًا ظالمًا، فجاء الرد «قل هو من عند أنفسكم» منهجًا يحتذى في تعريض النفس للمساءلة قبل تحميلها على الآخرين والظروف والمؤامرات وقوة العدو وتكالب الأحزاب، وهذا ما تفعله الأمم التي تضع المبضع على الجرح ولا تعتمد على المسكنات والتبريرات الموهمة.