حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

سلطان باهبري إلى رحمة الله

حتى في خبر وفاته وطريقة وصول الخبر إليّ لعبت التقنية التي عشقها دورا. وصلني خبر وفاة الصديق الدكتور سلطان باهبري عن طريق تطبيق الـ«واتس آب»، مرسلا من ابني خالد الذي يدرس في كندا، نفس البلد الذي تخرج فيه الراحل وتخصص في طب الأطفال، ليعود إلى بلاده ويتألق في رحلة نجاح هائلة كان فيها نجما لا نظير له في إدارة المستشفيات والقطاع الصحي والاتصال المعرفي. كان يدير المستشفى التخصصي في جدة وسط ظروف تعجيزية، ونجح في تطوير الأداء عبر أسلوب إداري قل مثله. كان قارئا نهما شغوفا بالمعرفة والاطلاع، له فكر استراتيجي لا مثيل له. كان ينظر للمسائل والتحديات على أنها فرص للإبداع، وكان مغرما بكل ما هو جديد. كنا نتبادل أسماء الكتب الجديدة والمقالات المهمة بشكل لا يتوقف أبدا.
عملنا معا كعضوي مجلس إدارة بإحدى شركات الاتصالات التي أدخلت خطوط الهواتف المحمولة إلى القارة الأفريقية، وكنت أستمتع في اجتماعات مجلس الإدارة بجلسات العصف الذهني المليئة بالمعلومة والمعرفة والروح المعرفية. كان مؤمنا بأن المعرفة قوة، وأن الاستعداد مهم، وأن العلم سلاح، ويحترم جدا من يملك كل ذلك. كان يحب الجديد ويعشق التحدي المختلف وغير التقليدي ويعتبره معركة فكرية تستحق الخوض. كانت الابتسامة لا تغيب عن وجهه مهما بلغت الصعوبات والابتلاءات. كان رجلا مؤمنا إيمانا صادقا وراضيا جدا بما يعطيه رب العالمين. كانت لديه مجموعة أصدقاء لا رابط بينهم سوى محبتهم لسلطان باهبري، مما يؤكد محبة الرجل العابرة للحدود والثقافات والبلاد.
عايشت معه معاناته المرة إزاء ما تعرض إليه من حملة عنصرية ظالمة وبغيضة في إحدى مراحل عمله، ليرد الله إليه حقه ويطرد الرجل الذي قاد هذه الحملة الحقيرة شر طردة بعد ذلك.
بعد مرحلة تأسيس شركة الاتصالات الجوالة «هيتس تليكوم» وإدراجها بالبورصة الكويتية بنجاح كبير، دخل الدكتور سلطان باهبري في تحد جديد هو تأسيس شركات للإسكان السريع والرخيص، وبدأ في الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية المتخصصة مستعينا بأهل الحكمة والدراية من مكاتب المشورة الإدارية والمحاسبة والقانون، وكان يستعد لمناقشتهم بشكل أخاذ، وكان لي شرف الحضور للعديد من المناقشات والمشاركة في أخرى رائعة ومفيدة.
سلطان باهبري كان أهم عقلية تعمل في المجال الاستراتيجي للاقتصاد المعرفي بلا شك، وكان يسعى باستمرار لفتح المجال للفكرة والمعرفة وسط أضعف وأصعب الظروف والأجواء. كان «الطبيب» الذي بداخله يظهر فجأة في أسلوب «تشريحه» للمشكلة و«تشخيصه» للعلة والمرض ثم تقديم الحلول المتكاملة.
على المستوى الشخصي سأفتقد مكالماته لي ولقاءاتنا التي لم تنقطع أبدا رغم مشاغل الدنيا. أغالب دموعي المنهمرة وأنا أكتب هذه السطور الصعبة، ولكن الفقد ليس لي وحدي، فهو فقدان كل من عرف الرجل وأحبه واحترمه.
رحمك الله يا أبا عبد الله، وإلى جنة الخلد والرحمة والمغفرة بإذن الله. ولا أملك سوى القول كما أمرني رب العباد «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وأسأل الله أن يسكنك جناته، وأن يلهم أهلك وأحبابك الصبر والسلوان على فقدك.