ليونيد بيرشيدسكي
TT

روسيا وتركيا أخرجتا الغرب من سوريا

لا يبدو أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية كانتا على علم بالمفاوضات الجارية بين روسيا وتركيا بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار وإخلاء مدينة حلب يوم الثلاثاء. بعد الاستيلاء على المدينة المدمرة، وذات الأهمية القصوى، من قبل قوات رئيس النظام بشار الأسد، لا بد وأن هذا سوف يكون الوضع الطبيعي الجديد في سوريا؛ الوضع الذي يحتل الغرب فيه موقف المتفرج بدلاً من المشاركة الفعالة.
وعلى الرغم من أن الإخلاء، الذي كان مقررًا أن يبدأ في تمام الساعة الخامسة من صباح الأربعاء، قد تأخر بسبب تجدد أعمال القتال، مع تبادل اللوم بشأنه بين مختلف الأطراف كالمعتاد، فلا تزال المحادثات مستمرة، ولكن الدول الغربية ليست طرفًا فيها هذه المرة. وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صباح الأربعاء يقول إنه «لا معنى» لإجراء المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتبر المفاوضات مع تركيا «أكثر فعالية بعد شهور عديدة من الجمود الذي لا طائل منه والذي شاهدناه مع الولايات المتحدة».
وفي حين أن وسائل الإعلام الغربية ناقشت التغريدات المريعة باللغة الإنجليزية عن الأوضاع المتردية في آخر جيوب المعارضة في حلب، كان الجانبان الروسي والتركي يتفاوضان مع قوات المعارضة ونظام الأسد، في محاولة لوضع اللمسات الأخيرة على انتصار نظام الأسد. واشتملت الصفقة المبرمة على خطة لانسحاب قوات المعارضة مما يجنب المدنيين المزيد من سفك الدماء، الأمر الذي سوف يمكن موسكو وأنقرة من تلميع صورتهما الإنسانية وارتداء عباءة صناع السلام بدلاً من صناع الأنظمة.
لم تكن لدى الولايات المتحدة فكرة عن ذلك؛ حيث قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية جون كيربي ردًا على سؤال عما إذا كانت تركيا، وهي من الدول الحليفة للولايات المتحدة، قد أطلعت واشنطن على المحادثات: «ليس لديّ علم بأنه كانت لدينا أية مؤشرات تفيد بإجراء مناقشات ثنائية للوصول إلى هذا النوع من الترتيبات. ولذلك فأنا لا أعلم بأنه كانت هناك معرفة مسبقة بالأمر». ويبدو أن سامانثا باور سفيرة الولايات المتحدة إلى منظمة الأمم المتحدة، لم تكن على علم هي الأخرى بإبرام الصفقة المشار إليها عندما كانت تلقي خطابها شديد اللهجة أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة الذي وجهت فيه اللوم الشديد إلى نظام بشار الأسد، وإلى سوريا وإيران، على «المساهمة في تضييق الخناق على السكان المدنيين». وتساءلت قائلة: «هل أنتم حقًا غير قادرين على الإحساس بالعار؟».
وفي مؤتمر صحافي عقد في برلين بعد ظهيرة يوم الثلاثاء، تحدثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل برفقة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن الأوضاع الكارثية والمفجعة في حلب، ولم تكن هناك إشارة على معرفتهما بالصفقة التي تجري المفاوضات بشأنها، ووجها الانتقادات اللاذعة إلى روسيا لعرقلة المحادثات. وفي مساء الثلاثاء ذاته تحدثت المستشارة ميركل ووزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير إلى نظيريهما الروسيين عبر الهاتف لمناقشة القضية السورية، من بين قضايا أخرى. وبحلول ذلك الوقت، كان قد تم الإعلان عن إبرام الصفقة. وتقول قراءة الكرملين للمحادثة الهاتفية بين السيدة ميركل والرئيس فلاديمير بوتين: «تم الاتفاق على تكثيف الاتصالات الثنائية»، وذلك في إشارة طفيفة إلى استياء ميركل من عدم إبلاغها بالأمر بدرجة كافية.
هذا هو ما يحدث عندما لا تكون القوى الغربية على استعداد للقتال أو قبول إبرام الصفقات. فإن سياسة «الشد على الأيادي» التي تعتمدها الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لم تقدم الكثير لمساعدة سكان حلب، الأمر الذي سوف يتذكره التاريخ إلى جانب أعمال العنف وسفك الدماء من قبل نظام الأسد. أما الدول التي كانت مستعدة للقتال والحديث على حد سواء فكانت هي اللاعب الحقيقي في أرض الواقع.
ولا يعني ذلك أن مصالح هؤلاء اللاعبين متسقة أشد الاتساق، على الرغم من كل شيء. فهناك مصالح متباينة لكل من روسيا وتركيا في سوريا. فمن المعروف أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هو من أشد أعداء رئيس النظام السوري بشار الأسد الحليف الوثيق للرئيس الروسي بوتين. ولدى إردوغان مشكلة كبيرة مع الجيوب الكردية في سوريا والتي يعتقد بدورها الفعال في زعزعة الاستقرار على الحدود التركية. وكان بوتين يدعم الأكراد بهدوء، وأصرت روسيا على المشاركة الكردية الفعالة في أية محادثات تتعلق بمستقبل سوريا. وقبل عام من الآن، أسقطت الدفاعات الجوية التركية إحدى الطائرات الحربية الروسية بعد عبورها الموجز للمجال الجوي التركي على مقربة من الحدود، مما أدى إلى مواجهة بين بوتين وإردوغان استمرت حتى تقدم بوتين بدعم سريع ولا لبس فيه للزعيم التركي ضد الانقلاب العسكري الفاشل الأخير.
ليس هناك حل واضح للخلافات الروسية التركية بشأن سوريا، ما لم يتم تقسيم البلاد إلى منطقة نفوذ روسية وأخرى تركية، على غرار تقسيم إيران ما قبل الحرب العالمية الأولى بين روسيا وبريطانيا، وهو الاحتمال الذي أثاره ديفيد بارتشارد الخبير في الشؤون التركية عبر مقال نشر مؤخرًا على موقع «Middle East Eye» الإخباري. وربما أن الأحداث تتجه نحو هذا النوع من الحلول الذي يتميز به عصر الألعاب السياسية الكبرى: كان بوتين وإردوغان يجريان المكالمات الهاتفية الثنائية قبل اتخاذ كل خطوة رئيسية كبيرة في سوريا. ولم يشعر أي منهما بالحاجة إلى إشراك الدول الغربية في الأمر.
ومن الواضح الآن أن روسيا تفاوضت فقط حول وقف إطلاق النار السابق في حلب مع الولايات المتحدة الأميركية كنوع من الستار للعمليات الجارية على الأرض والتي كان لها هدف وحيد؛ هو الانتصار العسكري لنظام بشار الأسد. والتحفظ التركي يسبب المزيد من القلق للولايات المتحدة. ولكن ربما لا ينبغي أن يكون الموقف التركي مفاجئًا، حيث كانت تركيا هي العضو الوحيد من حلف شمال الأطلسي التي وضعت قوات على الأرض في سوريا في العملية التي أطلقت عليها اسم «درع الفرات». وتملك تركيا المقدرة العسكرية لتحقيق المكاسب من دون مساعدة الولايات المتحدة. والقبول الروسي هو الأكثر أهمية لذلك من موافقة بقية أعضاء حلف شمال الأطلسي.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»