سألني أكثر من مشارك في محاضرة ألقيتها أمس في العاصمة لندن، وحضرها نحو 400 شخص، عن السبب الذي يدفعهم إلى عدم التركيز أثناء التحاور مع جليسهم أو أثناء محاولة إنجاز مهمة تتطلب تركيزا ذهنيا. ولأن هذا السؤال تكرر على استحياء حينا، وعلى انفراد حينا آخر، من عدد من الحضور بعد المحاضرة التي دعاني إليها مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة الكويت في احتفالية مرور 63 عاما على إنشائه، ولأن هذا السؤال تحديدا هو أحد أكثر الأسئلة التي تردني في دوراتي التدريبية، فإنني آثرت الإجابة هنا لتعم المنفعة.
هناك أسباب عدة تجعل الفرد يفقد تركيزه أثناء التحاور مع الآخرين أو أثناء ذروة انهماكه في تأدية عمل ما، منها أسباب ذات صلة بالبيئة المحيطة وسلوكه، وأخرى بيولوجية ذكرتها في مقال سابق بعنوان «كيف نركز جيدا في الحوار؟».
ففي دراسة حديثة أجرتها جامعة لندن على قبيلة نائية في أفريقيا حافظ أهلها على البقاء في الريف، وقبيلة أخرى انتقل أفرادها للعيش في مناطق حضرية، أظهرت النتائج ما «فاق توقعات» الباحثين، حيث تبين أن الجماعات الحضرية (القبيلة المتمدنة) أظهرت صعوبة في تركيز الانتباه في اختبارات متنوعة أعدت لهم مقارنة بأفراد القبيلة التي حافظت على بقائها في الريف.وكان أحد الأسباب يعود إلى أن «الناس في المجتمعات الحضرية يتمتعون بمحفزات تنبيه أكثر، حيث يتحلون بإفراط من حيث استخدام البصر والأصوات»، وهي أحد الأسباب التي تشتت تركيزهم بحسب تقرير نشرته «بي بي سي».
وهذا الأمر واقعي في رأيي، إذ نجد أن هجمة الاتصالات بكل أنواعها تحيط بنا وصارت أحد أسباب تشتيت الانتباه ولم نعد نتمكن من التركيز بهدوء لنصف ساعة.
وبعد أن كان التلفزيون هو شاغلنا انخفضت نسبة مشاهدته لدى أكثر من كان مولعا بمشاهدته في العالم، وهم سكان الولايات المتحدة، لمصلحة الإنترنت والانشغال بالهاتف ومغرياته حسب دراسة حديثة قرأتها. ولذا فنحن أحوج ما نكون إلى العودة إلى التركيز الشديد لأنه يضاعف الإنتاجية ويشعرنا بلذة الفهم والتعلم والتفاعل. وأحد أفضل النماذج التي قرأتها ما دعا إليه ديفيد آلن في كتابه الرائع «Getting Things Done» وهو التركيز الشديد لمدة نصف ساعة أو 15 دقيقة في عمل ما من دون أي مقاطعة بعدها استراحة لمدة دقيقتين ثم تجديد التركيز حتى ننجز المهمة المطلوبة. أما التركيز في الحوار فيتطلب أن يحسن المتحدث اختيار الموضوع المناسب للمستمعين وألا يثقل على أسماعهم ولا يستأثر بالكلام حتى لا ينفض الناس من حوله أو يفتر تركيزهم. والمستمع كذلك، يتوقع منه أن يأخذ قسطا مريحا من النوم وطعاما معتدلا، إذا كان حريصا على المحافظة على تركيز عميق طوال ساعات اليوم أو في اجتماع أو محاضرة مهمة بعيدا عن ملهيات التكنولوجيا التي صارت أكثر ما يشتت تركيزنا وانتباهنا.
8:14 دقيقه
TT
أسباب ضعف التركيز
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة