خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من ظرفاء السياسة الأميركية.. روزفلت من رواد الفكاهة

ارتبط اسم الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت بأحداث تعتبر من أسس عالمنا السياسي الحاضر، وكان منها ما مس العالم العربي. وكان لقاؤه بالملك عبد العزيز بن سعود، رحمه الله، من هذه الأحداث المهمة التي أرست مسار العلاقات الاستراتيجية الوطيدة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
لم يعرف الرؤساء الأميركيون بروح النكتة والسخرية، وكل ذلك رغم أن الفكاهة تعتبر أساسًا من أسس الحياة الأميركية وآدابها وفنونها. ويظهر أن روزفلت وجد ذلك نقصًا في السياسة الأميركية. ولكن روح النكتة لم تكن من صفاته. غير أنه على الطريقة الأميركية، عمد إلى استئجار الظرفاء ليسدوا له هذا النقص بتغذية خطبه وتصريحاته بعناصر الدعابة. كان منهم صموئيل روزنمان الذي تولى كتابة خطب الرئيس الأميركي منذ توليه الحكم سنة 1928 وحتى حين مماته في سنة 1945. وأرسى بذلك تقليدًا ظل يميز الإدارة الأميركية في تعامل رجالها مع الجمهور ووسائل الإعلام حتى الآن.
لم يكن ذلك البادرة الريادية الوحيدة لروزفلت، بل كان أيضًا أول رئيس أميركي يستعمل الطائرة في حملاته الانتخابية. ما إن وصل إلى المطار حتى وجد الصحافيين في انتظاره. فسألوه هل ستركب حقًا الطائرة لتذهب إلى شيكاغو؟ أجابهم قائلا: «كلا، إنني أزمع السفر على دراجة هوائية كبيرة ذات خمسة سروج. يجلس والدي في المقدمة ويتولى توجيهها وقيادتها في المقدمة. ويجلس وراءه جيم ثم إليوت ففرانكلن روزفلت ثم جون. أما صموئيل روزنمان فسيركب دراجته الخاصة به ويلحق بنا».
وكان لروزنمان هذا وزملائه من كتّاب الخطب دورهم المهم في صياغة كثير مما أصبح أسسًا في طروحات السياسة عالميًا كعبارة «موعد مع القدر» و«الصفقة الجديدة» و«الترسانة الديمقراطية». واستعمل تشبيه «الحرباء» في وصف خصومه وكل من تميزوا بالتلون والتقلب. وكان يرمي بذلك طبعًا زعماء الحزب الجمهوري الذين يطرحون الوعود ثم يتناسونها ويغضون النظر عنها عندما تكون الأمور بأيديهم.
لم تكن الحرباء الحيوان الوحيد الذي تطرق إليه روزفلت، بل لحقته قصة أخرى تتعلق بكلبه «فلا». حدث في إحدى رحلاته الأخطبوطية أثناء الحرب العالمية الثانية أن سافر مع زوجته ونسي كلبه «فلا» وراءه. وكانت زوجته متعلقة جدًا بهذا الكلب. فحملت زوجها على إصدار أمره لإحدى البوارج الأميركية الكبرى بالعودة إلى الميناء والبحث عن هذا الكلب ثم نقله على متنها وتسليمه للعائلة. أثار الجمهوريون ضجة بشأن ذلك، أن يبعث الرئيس الأميركي ببارجة حربية أثناء الحرب لتأتي لزوجته بكلبها الحبيب المدلل «فلا».
أسرع روزفلت لتحويل حكاية الكلب الصغير إلى موضوع سياسي ينال فيه من سمعة الحزب الجمهوري. قال إن الجمهوريين لم يكتفوا بالهجوم عليه وعلى قرينته، بل راحوا الآن يشغلون الناس بمهاجمة كلب صغير اسكوتلندي يأبى الضيم. وجر الكلام إلى إثارة الضحك والسخرية في نفوس الناخبين الأميركيين عمومًا.