مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

هل الحياة تمثيل.. أم العكس؟!

لم يتصور ممثلان في (أنغولا) أن اتفاقهما على أداء دور اللصوص سيودي بحياتهما في أحد الأيام، فقد ذكرت وكالة (B.D) أن أفراد الشرطة أطلقوا النيران على ممثلين ألمانيين في أثناء أدائهما مشهد سرقة في العاصمة الأنغولية لواندا عن طريق الخطأ، فأردوهما قتيلين بعد أن اعتقدوا أنهم ضبطوا لصين في حالة تلبس. وأضاف متحدث للوكالة الألمانية: فتح رجال الشرطة النيران لأن الممثلين كانا يمسكان بالسلاح.
وقالت الصحف: إن طاقم العمل طلب مساعدة الشرطة قبل التصوير خوفًا من التعرض للسطو في أثناء التصوير في الحي الذي يتسم بالخطورة في لواندا، وألقي القبض على رجال الشرطة الذين فتحوا النيران على الممثلين - انتهى.
رحمهما الله، لم يجنِ عليهما سوى إتقانهما لدورهما.
وإليكم حادثة أخرى لم يكن فيها - ولله الحمد - رصاص ولا قتل، وهي أيضًا تدور في عالم التمثيل.
ففي إحدى الدول الأوروبية، كان يتم تصوير فيلم اجتماعي، تؤدي به بعض الممثلات أدوار (راهبات)، وبما أن العمل المرهق يبدأ في الصباح الباكر، ولا يتسنى للممثلات سوى قليل من الراحة، ساعة واحدة في الظهيرة، ثم يعدن للعمل، وحيث إن الوقت قصير ولا يتسنى لهن إبدال ملابسهن بأخرى، فكن يستغللن الوقت للذهاب إلى مقهى شعبي خارج الاستوديو لتناول بعض السندويتشات والمشروبات.
وقد أثار حضورهن حفيظة بعض الزبائن، وكثير من المارة في الشارع، عندما يشاهدون هؤلاء الراهبات مع زميل لهن بلحيته الطويلة، يمثل دور أحد القساوسة، يتبادلن مع بعضهن الأحاديث والمزاح بأصوات عالية لا تمت لأدب أتباع الكنائس بصلة، خصوصًا عندما يشاهدون الراهبات وهن متأففات من حر الصيف اللاهب، وقد رفعن ملابسهن الطويلة عن سيقانهن وأفخاذهن من أجل المزيد من التهوية، وفي يد كل واحدة منهن سيجارة تشفطها، وفي اليد الأخرى كوب كبير من البيرة تقعبه قعبًا، ويكمل الناقص القسيس بملابسه المزركشة المحترمة وهو يرقص ويدور على حاله، ويطلق النكات البذيئة، ولا يتورع بين الحين والآخر عن أن يحضن إحدى زميلاته من الراهبات، ويمطرها بالقبلات.
ويبدو أن الخبر قد وصل إلى المسؤولين في إحدى الكنائس الكبيرة، وإذا بمجموعة رسمية يطبقون عليهم في المقهى، ليأخذوهم بالجرم المشهود المستهتر الذي يشوه سمعة الكنيسة.
وتفاجأوا وأسقط في أيديهم عندما عرفوا أن الراهبات لسن براهبات، وإنما هن مجرد (كومبارس) لممثلات من الدرجة الثالثة، وأن القسيس ليس قسيسًا، وإنما هو مجرد شاب صايع يضع لحية صناعية ليؤدي بها دوره، وبعد ذلك قد يرميها في صندوق الزبالة.
هل يحق لنا أن نقول: إن الحياة ما هي إلاّ تمثيل، أم أن التمثيل هو الحياة؟!