د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

التدخين.. حينما تصبح الحلول مشكلة

عندما فكر الصيدلي الصيني هون ليك في مشكلة التدخين وما يُمكن أن يُساعد به للإقلاع عنه، اخترع جهازًا صغيرًا يمثل السيجارة الإلكترونية «Electronic Cigarette»، لكنه لم يُدرك أنه سيصنع مشكلة مستفحلة زادت بشكل كبير وسريع من حجم مشكلة التدخين القديمة. وحينها في عام 2003 طرح فكرته البسيطة، وهي أن الجسم بحاجة إلى تعويض النيكوتين الذي يتلقاه جسم المدخن كي يتمكن بشكل متدرج من الإقلاع نهائيًا عن تدخين السجائر، ولو أمكن تقديم النيكوتين للجسم من دون تدخين لفائف فتات أوراق التبغ، فإننا نحمي الرئتين والشرايين من دخول العدد الكبير من المواد الضارة للجسم التي يحتوي عليها دخان السجائر.
وتلخصت وسيلته في جهاز يقوم بتقديم بخار كالدخان، يحتوي على النيكوتين، من خلال استخدام جهاز السيجارة الإلكترونية. وصناعة هذا الدخان مع كل «أخذ نفس» تتم بتبخير محلول «البروبيلين غليكول» الممزوج بالنيكوتين باستخدام الموجات فوق الصوتية التي يُنتجها جهاز كهروضغطي. وحصل الصيدلي الصيني على براءة اختراعه عام 2007، ومن ثم انتشرت السجائر الإلكترونية، وتطورت صناعتها، وتم إنتاج أجهزة مختلفة بتقنيات غير الموجات فوق الصوتية ولكنها تؤدي الغرض نفسه، أي تكوين بخار دخاني يدخل إلى الرئة عن طريق الفم ويحتوي على النيكوتين.
هذا الاختراع الذي كان وسيلة لحل مشكلة التدخين، تحول حاليًا إلى مشكلة لدى الباحثين الطبيين ولدى غيرهم، ذلك أنه لم يُفلح في أن يكون وسيلة للإقلاع عن التدخين؛ بل أصبح مشكلة متعددة الفروع، ولا يُعرف طبيًا تأثيراته الصحية على المديين المتوسط والبعيد.
وفي 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن رئيس حملة «أطفال غير مدخنين»، «Campaign for Tobacco - Free Kids» بالولايات المتحدة أن نتائج دراسة المسح الإحصائي في 2015 لـ«المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها»، (CDC)، تفيد بأن غالبية البالغين الأميركيين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية يُدخنون أيضًا سجائر التبغ. وتحديدًا 60 في المائة من البالغين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية للتدخين مستمرون في تدخين سجائر التبغ، بالإضافة إلى السجائر الإلكترونية، مما يعني أن كميات مُضاعفة من النيكوتين تدخل أجسامهم، وأيضًا لم تساعدهم على الإقلاع عن التدخين.
وهذا ليس وحده هو الأمر الغريب في نتائج المسح الإحصائي، بل أيضًا أفادت النتائج أن 11 في المائة من البالغين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية للتدخين لم يكونوا مسبقًا مدخنين لسجائر التبغ أصلاً؛ بل إن علاقتهم بالنيكوتين بدأت مع السجائر الإلكترونية. وبشكل أكثر تفصيلاً، أفاد المسح الإحصائي بأن 40 في المائة من صغار البالغين، ما بين عمر 18 و24 سنة، الذين يستخدمون حاليًا السجائر الإلكترونية، لم يُدخنوا لفائف التبغ مطلقًا، مما يعني أن «شهية» التدخين بدأت مع السجائر الإلكترونية، وأنها أدخلت مزيدا من صغار البالغين إلى عالم البحث عن النيكوتين، وأن من بين هؤلاء صغار البالغين فقط 17 في المائة كانوا مُدخنين للسجائر وأقلعوا عن تدخينها واستمروا مع السجائر الإلكترونية، أي لم يتركوا تلقي النيكوتين. ولزيادة الأمر تعقيدًا، فإن 43 في المائة من مدخني السجائر الإلكترونية بين فئة صغار البالغين مستمرون في تدخين السجائر أيضًا.
وهي نتائج مثيرة للانزعاج الصحي، ودفعت ماثيو مايرز، رئيس حملة «أطفال غير مدخنين» إلى القول: «إن كانت ثمة جدوى للسجائر الإلكترونية، فهي فقط في مساعدة مدخني سجائر التبغ على الإقلاع عنها تمامًا، لأن هذا هو هدف إنتاجها وتسويقها».
وكانت نتائج دراسات إحصائية سابقة للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها، قد لاحظت في نتائجها أن ثمة ارتفاعا «حادا» في استخدام السجائر الإلكترونية، وتحديدًا في عام 2015؛ كان 24 في المائة من طلاب المدارس الثانوية يستخدمون السجائر الإلكترونية، بينما مدخنو سجائر التبغ بقي 11 في المائة منهم بين أولئك الطلاب. ولذا قال مايرز: «الأدلة الحالية حول جدوى السجائر الإلكترونية في المساعدة على الإقلاع عن التدخين، غير مقنعة».
هذا جانب من فروع المشكلة، ومن جانب آخر تضمن عدد 25 أكتوبر من مجلة «طب الأطفال»، (Pediatrics)، لسان حال «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال»، دراسة الباحثين من كلية أوريغان للعلوم والصحة في بورتلاند حول السجائر الإلكترونية والمراهقين. وأفاد الباحثون أن نحو 75 في المائة من المراهقين الأميركيين يعتقدون أن السجائر الإلكترونية أقل ضررًا إدمانيًا من سجائر التبغ، هذا على الرغم من أن نتائج البحث العلمي أثبتت أن السجائر الإلكترونية تدفع كمية موازية، وفي كثير من الأحيان كميات أعلى من النيكوتين، ولأسباب شتى، إلى جسم مستخدم تلك السجائر الإلكترونية بالمقارنة مع سجائر التبغ.
وعلق الدكتور ستيفن أمروك، الباحث الرئيسي في الدراسة، بالقول: «السجائر الإلكترونية هي الوسيلة الأعلى استخدامًا بين الشباب الأميركي لتلقي النيكوتين، والادعاءات بأنها آمنة هو السبب وراء ارتفاع استخدامها بشكل سريع. والأطفال الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية أقرب لتدخين سجائر التبغ بالمقارنة مع الأطفال الذين لم يستخدموها». وأضاف: «نحن لا نتحدث عن شيء لا ضرر منه؛ بل إن «إدارة الغذاء والدواء الأميركية»، (FDA)، تصنف السجائر الإلكترونية كسجائر التبغ، وعلى الوالدين والأطفال إدراك أن السجائر الإلكترونية تحتوي النيكوتين، وهو شيء ضار». وهو ما جعل البروفسور ستانتون غلانتز، من مركز مكافحة التدخين بجامعة كاليفورنيا، يقول: «هذه الدراسة تضيف مزيدا من الأدلة العلمية على أن السجائر الإلكترونية وسّعت مشكلة وباء التدخين». وتشير نشرات «المعهد القومي الأميركي لتعاطي المخدرات»، (National Institute on Drug Abuse)، إلى أن «البعض يعتقد أن السجائر الإلكترونية أكثر أمانًا من سجائر التبغ، ولكننا لا نعلم الكثير عن مدى أمانها الصحي ومخاطرها الصحية، ولا نعلم ما إذا كانت بالفعل تساعد الناس على الإقلاع عن التدخين، ولكننا نعلم أنها تحتوي على النيكوتين، وأنها تحتوي على كثير من المواد الكيميائية الضارة صحيًا، وأن ثمة علاقة بين استخدامها من قبل صغار وتدخينهم سجائر التبغ، وأن السائل الذي بداخلها المحتوي على النيكوتين قد يتسبب في التسمم بالنيكوتين إذا ما شربه أو استنشقه أو لمسه الإنسان».