زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

العالم الآخر عند الفراعنة

كان للفراعنة في الدولة الحديثة كتاب ديني يصف العالم الآخر يسمى «الإيمي دوات»، ويعني حرفيًا: «ما هو موجود في العالم الآخر»؛ وكان يطلق على هذا الكتاب أيضًا «الحجرة الخفية»، وربما كان المقصود بتلك التسمية المقبرة نفسها. وعثر على كثير من نسخ كتاب العالم الآخر ومن مناطق مختلفة في مصر، ويشير عدد التعاويذ والنصوص الجنائزية وترتيبها بنوع من الالتزام بالمتن الأصلي دون تحريف أو تغيير! إلا أن هذا لم يحُل دون وجود اختلافات من نسخة لأخرى. ومن كتاب الموتى عند المصريين القدماء ظهرت عدة كتب تصف العالم الآخر منها كتاب الطريقين؛ وكتاب البقرة السماوية؛ وكتاب البوابات؛ وكتاب الكهوف.
وحسب المفهوم المصري القديم ينقسم العالم السفلى إلى اثنتي عشرة ساعة يمر قرص الشمس بكل ساعة من خلال بوابة عملاقة يحرسها ثعبان حارس ضخم. ولكي تعبر الشمس من خلال الساعات الاثنتي عشرة للعالم الآخر لا بد وأن تعرف مركب الشمس اسم البوابة واسم الثعبان الذي يحرسها وكذلك التعويذة السحرية التي تمكن الشمس من المرور. والمفترض أن الفرعون المتوفى يكون على هذا المركب؛ ويعبر مع العالم الآخر مع الشمس ثم يعبر عالم الأحياء أيضًا ولمدة اثنتي عشرة ساعة أخرى. لقد كان على كل متوفى أن يعرف أيضًا اسم البوابة واسم الثعبان الحارس لكي يعبر هو الآخر عبر بوابات العالم الآخر بنجاح. لقد جعل المصريون القدماء للشمس ثلاث حالات مثل البشر؛ طفولة وشباب وكهولة؛ فالشمس عندما تشرق بالنهار فهي «خبرى» الجعران الوليد، وعند الظهيرة «رع» قرص الشمس الكامل المتوهج، وعند الغروب «أتوم» العجوز؛ أو «إيوف رع» بمعنى لحمة رع والتفسير بسيط، فقرص الشمس عند الغروب يكون لونه أحمر بلون اللحمة، ولذلك وصفوها بأنها لحمة رع. وكان أمل كل متوفى هو أن يبعث من جديد مثل الشمس؛ وأن ينعم بالأبدية في العالم الآخر.
وأهم ساعات العالم الآخر هي الساعة الخامسة والتي يسكنها أوزير وهناك تعقد للمتوفى المحاكمة والتي على أساسها يتحدد مصيره إما جنة تسمى «حقول الأيارو» يزرع فيها ويحصد ويعيش سعيدًا خالدًا، أو يسقط في المحاكمة ويكون مصيره مع الأشرار وبالتالي يذهب إلى الجحيم.
ويشرح لنا كتاب الموتى بالتفصيل كيف تتم المحاكمة في وجود أوزير جالسًا على العرش وأمامه وضع الميزان بكفتيه التي يوجد بإحداها ريشة العدالة أو ما يعرف بالماعت؛ وفى الكفة الأخرى المقابلة نجد قلب المتوفى يوزن، فإذا ثقلت كفة القلب نجح المتوفى في العبور إلى الأبدية؛ وكذلك العكس صحيح. ونجد المتوفى سواء كان رجلاW أم امرأة يتقدم إلى المحاكمة في صحبة حورس ابن أوزير لكي يشفع له ويمد له يد العون، كذلك نجد كل من جحوتى رمز الحكمة وأنوبيس سيد العالم الآخر يقفان لمساعدة المتوفى على اجتياز الاختبار الرهيب الذي على أساسه يتحدد مصيره في العالم الآخر.
المثير في الأمر أن المصري القديم جعل مركز العمل القلب وليس العقل! فكأن الإنسان يتصرف من وحي قلبه وأن القلب مسؤول عن أفعال البشر، فهل يفسر لنا هذا ما نقوله إلى يومنا هذا عندما نصف إنسانًا ما بأن «قلبه أبيض»؛ بينما نقول على آخر بأن «قلبه أسود»! كان نجاح المحاكمة نقطة فاصلة بين الفناء والبعث والخلود؛ ولذلك استعد لها المصري القديم في حياته بالابتعاد عن الظلم والجور وفعل الخيرات التي تقربه من الخالق العظيم.