محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

خرافة تطوير الذات.. مجددًا

فوجئت بحجم التفاعل الكبير فور نشر مقالي السابق بعنوان «خرافة تطوير الذات»، الذي ذكرت فيه تسرع الكثيرين في تناقل دراسات تبين لاحقًا أنه ليس لها أساس من الصحة! وأطلق عليها البروفسور الإنجليزي ريتشارد وايزمان مجرد «خرافات» يتم تناقلها. ومن هذا المنطلق واستجابة لمطالب القرّاء الأعزاء أكمل في هذا المقال مزيدًا مما يقلقنا جميعًا بتسرع البعض في تقديم مواد تدريبية حتى صارت هذه المهنة النبيلة «مهنة من لا مهنة له» كما وصفها أحد القرّاء.
ومن تلك الهموم، مثلاً، المغالاة في قضية التخيل التي يزعم مروجوها أنه يمكن أن تحقق بمفردها أهدافنا. فقد سمعت بنفسي أكثر من محاضر يقول للمتدربين كيف يمكن أن يحققوا بالتخيل أهدافًا لم يحلموا بها، مثل بيت الأحلام وفارس الأحلام والسيارة الفارهة جدًا، فحققوها، ونسوا أو تناسوا أن التخيل وحده لا يحرك قلمًا أو دفترًا من طاولة لأخرى، ناهيك أن «يحقق» بغمضة عين آمالنا. أنا مع تخيل المهمة Task وشعورنا ونحن نكافئ أنفسنا بعدها، لأنها خطوات عملية في الأخذ بالأسباب نحو هدف نصبو إليه. وهذا ما أظهرته دراسة الباحث غابرييل أوتنغين من جامعة بنسلفانيا. وهذا ما يقوم عليه علم التخطيط.
تطوير الذات مجال مهم في تغيير الفرد. فعلى أكتاف الأفراد المتميزين تبنى الحضارات والشركات والوزارات الناجحة. غير أن حالنا ليتغير يتطلب الأمر جدًا واجتهادًا. وقد رأيت ثمرة ذلك بنفسي حينما نضع كأعضاء مجالس إدارة في شركات، بقطاعات مختلفة، استراتيجية وخطة عمل نصل في كثير من الأحيان إليها، وإن لم نحققها 100 في المائة نقترب مع الإدارة التنفيذية من الهدف، وهو بحد ذاته إنجاز لا يقارن مع «التمني على الله الأماني». هذا باختصار هو ما يقوم عليه علم الإدارة، وهو شجرة أحد أغصانها تطوير الذات والمؤسسات، ولا يتأتى ذلك إلا بالتخطيط والتعب وأحيانًا شيء من الحظ. والأمر نفسه ينطبق على كل عَلَمَ من الأعلام في مجاله لم يبلغ ما بلغ من دون سهر الليالي، ولا أقصد هنا من ورثوا مناصبهم الإدارية.
وما هذه الزاوية إلا محاولة لتبسيط أعقد الدراسات والتجارب والتوجهات الحديثة، في محاولة لمساعدة أفراد أمتنا للنهوض من جديد، فلن تقوم لنا قائمة إلا عندما ندرك أهمية أن يصبح يومنا أفضل من أمسنا، وإن لم يكن كذلك ظللنا نراوح في مكاننا، إن لم نكن نتراجع في مؤخرة ركب التقدم.

[email protected]