دانا ميلبانك
TT

ترامب يقف ضد كل الناس وكل شيء

منذ نحو 90 يومًا عندما قبل دونالد ترامب ترشيح الحزب الجمهوري له للرئاسة، كان يحظى بلحظة اتزان وهدوء؛ فعندما هتف الحضور في المؤتمر الجماهيري: «اسجنها»، هز رأسه نافيًا، وقال: «لنهزمها في نوفمبر» (تشرين الثاني) المقبل.
لقد كان حينها ترامب آخر مختلفًا عن ترامب الذي ظهر على الشاشة خلال المناظرة الرئاسية الثانية مساء الأحد الماضي، حيث كان مباشرًا؛ يواجه ثورة في حزبه بسبب مقطع مصور اكتشفته صحيفة «واشنطن بوست» ظهر خلاله وهو يتباهى بالاعتداء على النساء جنسيًا. وأعلن ترامب أنه في حال انتخابه، سوف يخرب القضاء حتى يلاحق منافسته السياسية هيلاري كلينتون.
بدأ ترامب بقول: «لم أكن أعتقد أني سأقول هذا، لكنني سأقوله، وأكره أن أقوله»، وهي عبارة تمهد لقوله أمرًا لا ينبغي قوله. واستطرد قائلا موجهًا كلامه لهيلاري: «إذن في حالة فوزي، سوف أصدر أوامر لممثل الادعاء العام بالاستعانة بممثل ادعاء خاص للنظر في موقفك، لأنه لم يكن هناك هذا الكمّ الهائل من الأكاذيب، وهذا القدر الكبير من الخداع من قبل».
بطبيعة الحال، وظيفة ممثل الادعاء الخاص هي إزالة أي تأثير سياسي من نظام القضاء، ولكن ترامب يقترح هذا الأمر بغرض عقاب خصم سياسي. وردت هيلاري كلينتون قائلة: «من الجيد ألا يكون شخص بمزاج ترامب مسؤولاً عن القانون في بلادنا». وقاطعها ترامب قائلاً: «لأنك كنت ستصبحين داخل السجن».
يقتضي ما حدث مساء الأحد الماضي من ترامب الندم، كما ناشدته حملته الانتخابية، وذلك بسبب أدائه المسجل بوصفه معتديًا جنسيًا. مع ذلك، لم يعلن ترامب ندمه رغم أن أداءه جاء أكثر إثارة للجدل مما كان عليه خلال المناظرة الأولى.
قبل المناظرة، قام بجمع النساء اللاتي زعمن أنهن كن ضحايا لمغامرات بيل كلينتون العاطفية، ونشر مقطعًا مصورًا لاجتماعهن، كانت جودة تسجيله منخفضة، على موقع «فيسبوك». وبعد مرور 16 دقيقة من وقت المناظرة، أثار ترامب أمر خيانات بيل كلينتون، وبعد مرور 20 دقيقة بدأ يقاطع منافسته.
وقبل مرور وقت طويل، كان يتحرك، ويعبس، ويزمّ شفتيه، ويهز رأسه، ويرهب كلينتون قائلا: «أحقًا لم تقومي بمحو الرسائل؟ 33 ألفًا؟ نعم، ماذا عن الـ15 ألف رسالة إذن؟»، مما دفع آندرسون كوبر، مدير المناظرة، إلى التدخل وقول: «دعها تجب رجاءً. إنها لم تتحدث، بينما تحدثت أنت». وقالت كلينتون: «نعم صحيح، أنا لم أتكلم». وسارع ترامب إلى القول: «لأنه ليس لديك شيء تقولينه».
وبدأ ترامب يتجادل مع مديري المناظرة، حيث قال: «أود أن أعرف يا آندرسون لماذا لم تعرض رسائل البريد الإلكتروني؟ أريد أن أعرف». في الواقع كان السؤال السابق عن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون، لكن ترامب كان شرسًا؛ وقال معترضًا: «واحد في مواجهة ثلاثة»، في إشارة إلى كلينتون ومديري المناظرة المعارضين له.
كانت لترامب لحظاته خلال مساء الأحد، ووجه ضربات لكلينتون في كل مواطن ضعفها، لكنه كان طوال المناظرة رجلاً ضد الجميع، بمن فيهم نائبه مايك بنس. عندما ذكّرت مارثا راداتز، مديرة المناظرة، ترامب بأن بنس قال إنه ينبغي الرد على أعمال روسيا الاستفزازية في سوريا بقوة أميركية، وإنه على الولايات المتحدة الاستعداد لضرب نظام الأسد، رد ترامب قائلا: «حسنًا لم نتحدث معًا عن الأمر، وأنا أختلف معه»، حول أهم أمر من أمور السياسة الخارجية في الوقت الحالي. وكرر ترامب اعتذاره على مضض عن المقطع المصور الجديد، حيث قلل من شأن هذا الأمر مرة أخرى، قائلاً: «إنه حديث داخل غرفة تغيير الملابس. سأسدد ضربات قوية لتنظيم داعش».
وكما حدث في المناظرة السابقة، قام ترامب بانعطافاته المميزة لتفادي الحقيقة، حيث أعلن مرة أخرى عن معارضته الغزو الأميركي للعراق، وعن عدم كشف حقيقة هذا الأمر بعد (وأعلن موافقته على «حرب الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول»، في 2002 خلال برنامج (هوارد ستيرن) الإذاعي». وذكر مرتين أنه لا يعرف بوتين، رغم أنه قال قبل ذلك: «لقد عرفته جيدًا». وعندما سأل كوبر ترامب عن تغريدته، التي نشرها في منتصف الليل، والتي نصح فيها الناس بمشاهدة شريط جنسي، أجاب قائلاً: «لم يكن هناك حديث عن شريط جنسي»، بينما كانت كلماته في التغريدة هي: «شاهدوا الشريط الجنسي».
وكان ترامب غاضبًا في أكثر الأحوال من جميع الناس، ومن كل شيء.
واشتكى لراداتز قائلا: «لماذا لا تقاطعونها؟ إنكم تقاطعونني طوال الوقت»، رغم أن الوقت المتاح له على الهواء كان طويلاً. وتساءل مرة أخرى: «إنكم إذن تسمحون لها بالرد، بينما لا تسمحون لي بذلك».
* خدمة «واشنطن بوست»