محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«خالف تُعرف»

شغلتني كثيرا قضية من يتعمدون مخالفة السائد في المجتمع رأيا أو تصرفا، ليشار إليهم بالبنان. هذا السلوك تزايد مع انفتاح الفضاء الإعلامي. فلا يكاد يجتمع الناس على رأي لا يختلف عليه عاقل حتى يأتي ذلك «المشاكس» فيطرح خلاف السائد، حتى إن البعض يعارض من أجل المعارضة أو قبل أن يفكر بماذا سيرد!
سألت أستاذ علم النفس في جامعة الكويت عن سبب عقدة «خالف تُذكر» أو «خالف تُعرف» التي نعاني منها في أعمالنا ومجالسنا وبيوتنا بما في ذلك ميادين السياسة.
وقد لفتني دكتور سعود الغانم إلى أن «خالف تعرف» هو سلوك متجذر في نوعين من أربعة أنواع معروفة من شخصيات الناس. الأول «العقلاني» الذي يبحث عن معلومة نادرة وغير شائعة للآخرين ويتهمه البعض بأنه يخالف من أجل المخالفة ولكنه سوف يثبت لهم العكس. ‏وهؤلاء يتبنون أحيانا آراء علمية أو دينية غير شائعة فيتشبثون فيها على اعتبار أنها أمر موجود. أما النمط الثاني فهو «الحرفي»، وهذه الحالة تخالف باستمرار السائد في المجتمع، فهي تحب أن تكون تحت الأنظار ووسيلتها في ذلك مخالفة أنماط التفكير الأخرى مثل «العقلاني» و«النظامي» و«المثالي».
وربما هذا سبب «الغرابة الواضحة في ملبسه ومفرداته وتصرفاته» كما يقول. ولذا كان الحل مع هذا النمط معرفة «ماذا يريد من حاجات لكي نشبعها» ومن هذه الحاجات «الانتباه.. وإذا منح ذلك وفق المقبول اجتماعيا سينسجم معنا.. وسنحتويه» خصوصا إذا بادلناه الأسلوب العقلاني نفسه.
حاولت أيضا معرفة رأي المستشار التربوي وأستاذ علم النفس دكتور إبراهيم الخليفي فإذا هو يعتبر «خالف تعرف» حاجة بشرية ما إن تشبع بمنح صاحبها اهتماما أو وظيفة يفرغ فيها طاقته حتى تحيا من جديد لتحدٍ آخر. ولذا فإنها «حاجة لها جوع وتوق وإشباع حتى تستقر». ومن أمثلة ذلك أن يخبر الطفل والدته بنيله درجة عالية في واجباته أو اختباراته وهذا ما يجعله يفرح بتلك النجمة التي تلصق في دفتره أو الإشادة به أمام الآخرين.
ولخص دكتور الخليفي معاناة «خالف تُعرف» حينما قال إن «أكبر إهانة للشخص حينما يوضع بين أناس لا يدركون قدره، فكلما تحدث عما يحسن انهال عليه سيل من التندر والتسفيه والاستهانة به».
باختصار سيبقى «خالف تُعرف» يمارس هذه الحاجة سلبا أو إيجابا حتى يلتفت إليه أحد ممن حوله!