مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

ناهض حتّر بين اغتيالين

اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتّر، جريمة لا غبار عليها، وقائع موت علني، جريمة موصوفة كاملة الأركان، ضد ناهض أولاً، وأسرته ثانيًا، والدولة ثالثًا.
أن يقتل إنسان أمام درج المحكمة، في عين النهار، برصاصات قريبة، ووقائع مسجلة، هذا انتهاك صارخ لسيادة القضاء، وهيبة الدولة، وحرمة الإنسان.
لم أكن يومًا معجبًا بطرح ناهض حتّر، رغم معرفتي أنه ينطوي على ثقافة ومعرفة، لكن توجهه السياسي، بالنسبة لي، توجه سيئ، مغموس بهواجس معتلة، فيها من حساسيات الطوائف، المتوارية خلف رطانة يسارية معتادة، احترفت التفكير المؤامراتي، ونتج عن ذلك أن صار الراحل حتر من أعلى الأصوات المؤيدة للنظام الفاشي الطائفي في سوريا، نظام بشار، هذه كانت مصيبة.
كما أن التهور الديني، والاستهتار الفج الذي عبّر عنه الكاتب في الرسمة التي نشرها في حسابه بالفيسبوك، وصفة مثالية للفتنة، خاصة في هذه الظروف الملتهبة.
لكن الرجل يمثل أمام القضاء، والدولة، عبر مرفق القضاء، بسطت سلطانها، وإن الله يزع في السلطان ما لا يزع في القرآن، كما جاء في الأثر، فكيف ينتهك شخص كل هذه الحرمات؟
قضية ناهض حتّر منظورة أمام القضاء، وتجاوز القاتل (رياض) لهذا المعنى، هو تجاوز لمعنى الدولة نفسه، ومعنى التحضر، ما بالك والقتيل ينتمي، طائفيًا، لمسيحيي الأردن، يعني أن القاتل بكل خبث، يسهم في إيقاد نار الفتنة النائمة.
في التحقيقات مع القاتل، وهو متعصب متأثر بفكر حزب التحرير التكفيري الثوري، قال إنه كان قد خطط لارتكاب الجريمة منذ فترة، وأنه لم يكن يعرف أو يسمع بالكاتب حتّر، وأنه قام بالبحث عن صورته على شبكة الإنترنت.
هذا يشبه كلام الذي طعن نجيب محفوظ في مصر، وقاتل فرج فودة، كلهم أدوات عمياء، لا تقرأ حتى النصوص التي قالوا إنهم غضبوا عليها!
ليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها الكاتب الأردني اليساري، المقاوم، الكاتب في جريدة الأخبار اللبنانية الموالية لـ«حزب الله»، فقد سبق أن تعرض لمحاولة اغتيال 1999، وكان مؤخرًا تلقى تهديدات بالقتل.
حتّر ليس الكاتب الأردني الوحيد الذي أثار غضب المتدينين المتحمسين، فالشاعر موسى حوامدة، كانت له قصة بسبب مجموعته الشعرية (شجري أعلى) صودر الديوان عام 2000، وقُدم للمحكمة الشرعية وحوكم خمس مرات، وصدر قرار بحبسه.
الأمر ليس نصرة لناهض حتّر أو غيره، بل نصرة لهيبة الدولة، ورفضًا لمن يسوّغ لرياض، قاتل ناهض، جريمته، بحجة سياسية أو دينية، إما الدولة أو لا دولة، والأردن دولة محترمة ثابتة الأركان.
[email protected]