د. حسن هاشميان
محلل في الشؤون الإيرانية
TT

حكام إيران لا يمثلون الشعب الإيراني

نشرت الوكالات الإيرانية المحسوبة على التيار المتشدّد في إيران في الأيام الأخيرة، أنباء عن زيارة «سرية» قام بها السيناتور الديمقراطي من ولاية يوتا الأميركية جيم داباكيس إلى إيران في شهر مايو (أيار) الماضي، حيث أثارت انتقادات معتادًا عليها في الداخل الإيراني بين التيارات المتصارعة على السلطة حول العلاقة مع الولايات المتحدة ودلالات هذا النوع من الزيارات وتداعياتها بين رفض وقبول، امتدت إلى تهديد محمد جواد كريمي أحد أعضاء اللجنة الأمنية في «مجلس الشورى الإيراني» لطرح الموضوع في اجتماعات اللجنة الأسبوع المقبل واستدعاء وزير الاستخبارت محمود علوي وتقديم توضيحات حول هذه الزيارة السرية. وتبرأ علاء الدين بروجردي رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان الإيراني من هذه الزيارة وصرح قائلاً: «ليس لدينا علم بهذه الزيارة ولا أحد من أعضاء البرلمان التقى بجيم داباكيس».
السيناتور جيم داباكيس عضو الحزب الديمقراطي من ولاية يوتا ورئيس الحزب في الولاية ومنسق الأقلية الديمقراطية في أروقة الكونغرس الأميركي وعضو ناشط في حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، قام بهذه الزيارة المثيرة للجدل إلى إيران بدعوة من الجامعات الإيرانية وإلقاء محاضرة جامعية في جامعة مشهد بصفته عضوًا مهمًا في اللجان التعليمية التابعة للكونغرس الأميركي. فظاهر هذه الزيارة يشير إلى أنها زيارة علمية لا تترتب عليها شوائب سياسية ولا يمكن وزنها في المعادلات السياسية، خاصة المعادلات التي ترجع إلى الانتخابات الرئاسية في أميركا وفي المقابل المعادلات الحاكمة في داخل إيران، التي ستظهر بشدة عشية الانتخابات الرئاسية القادمة في مايو 2017.
ولكن تزامن وقت هذه الزيارة مع تصعيد الحملات الإعلامية من قبل الحرس الثوري ضد القوات الأميركية الموجودة في مياه الخليج العربي، واحتكاك الزوارق الإيرانية بالبارجات الأميركية والتحرش السافر ضد المدمرات الأميركية في ممّر مضيق هرمز، يدل على غضب متصاعد في أواسط الحرس ضد الولايات المتحدة بصورة عامة، وزيارة جيم داباكيس إلى طهران بصورة خاصة. ومن أجل التركيز على الهدف الرئيسي لهذه الزيارة، بعد أربعة أشهر من حصولها، صرح حشمة الله فلاحة بيشة عضو اللجنة الأمنية في البرلمان الإيراني والقريب إلى حكومة حسن روحاني في لقاء مع جريدة «جام جم»، أن على إيران أن تتعامل بحذر مع الانتخابات الأميركية وتقف ضد أي إجراء يدخل لصالح المتشدّدين في الولايات المتحدة، دون أن يتطرق إلى اسم دونالد ترامب. في هذا التصريح، العضو المؤثر في الكواليس الأمنية والمخابراتية داخل إيران، دافع مباشرة عن هيلاري كلينتون وقال: «صحيح أن كلينتون متقدمة على ترامب في بعض الاستطلاعات، ولكن أي إجراء غير محسوب من إيران، وهو يقصد تحركات الحرس ضد البارجات الأميركية في الخليج، سيقلب الطاولة رأسًا على عقب وسيدفع المتشدّدين (دونالد ترامب) في أميركا إلى صدارة الانتخابات الأميركية».
في هذه المقابلة، أراد فلاحة بيشة أيضًا أن يستغل الكراهية المصطنعة في المجتمع الإيراني ضد المملكة العربية السعودية، حيث كرر العقلية الإيرانية المبيتة ضد السعودية بأن أي إجراء في داخل إيران، قد يصب في مصلحة المتشدّدين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبالتالي سوف يخدم سياسات المملكة ضد إيران.
بيد أن ما طرحه عضو اللجنة الأمنية في البرلمان الإيراني مؤخرا، يتناغم تمامًا مع مهمة جيم داباكيس الذي زار إيران في مايو الماضي، ويبدو أن هذه الزيارة تعتبر جزءًا أساسيًا من حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، التي تعترف بدور مهم للنظام الإيراني، وخصوصًا لجم تحركات الحرس الثوري فيها. وكما يبدو هناك مصلحة مشتركة بين حكومة حسن روحاني من جانب والديمقراطيين في أميركا من جانب آخر، حيث فوز كلينتون في الانتخابات الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل سيضمن فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في مايو 2017 وفقًا إلى رؤية الجناحين المتصارعين في إيران. وعلى هذا التفسير جماعة الرئيس روحاني تسعى إلى تجنب أي صدام بين إيران والولايات المتحدة على مدى المنظور حتى الانتهاء من الانتخابات الأميركية، ولكن خروج الصراع القائم بين أجنحة النظام الإيراني حول زيارة جيم داباكيس إلى إيران، من الاجتماعات السرية إلى العلّن، يدّل على أن الخلافات بين الجانبين مصيرية ولا يمكن لأي طرف أن يتنازل عنها أو يتخلى عن مصالح مجموعته من أجل مصلحة المجموعة الأخرى. زيارة جيم داباكيس إلى إيران أعطت دفعة قوية للمحافظين في إيران أن يعتقدوا أن لهم دورًا أساسيًا في التأثير على الانتخابات الأميركية وبهذه القناعة سوف يوظفون هذا الدور لسد الطريق أمام حسن روحاني ليفوز مرة ثانية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وطبعًا حسب هذه الرؤية سنشهد تحركات استفزازية من قبل الحرس الثوري على شتى الأصعدة، من أحداث سوريا إلى عملية تحرير الموصل في العراق، ومرورًا بالتقابل الحاصل بين الزوارق الإيرانية والبارجات الأميركية على مياه الخليج.
في الأيام الأخيرة بينما رحبت حكومة حسن روحاني بوقف إطلاق النار الذي حصل بمساعٍ أميركية وروسية في سوريا، فإن أنصار الحرس الثوري ومن بينهم أمير عبد اللهيان تهجم على الولايات المتحدة ومساعيها الرامية لوقف القتال في سوريا. واليوم في خطابه أمام قيادات الحرس، هاجم الولي الفقيه الولايات المتحدة بشدة وسخر من بعض المسؤولين الإيرانيين الذين يرمون إلى الوثوق بالإدارة الأميركية. هذا الخطاب الإعلامي سيستمر حتى نهاية الانتخابات الرئاسية في أميركا والهدف منه التأثير السلبي على حظوظ كلينتون في فوزها بالانتخابات، وهذه الإجراءات تأتي عكسًا لما قام من أجله جيم داباكيس بزيارة إلى إيران.
وهذا درسٌ لمن أراد أن يفتح أبواب الصداقة مع حكام إيران ويثق بهم. حينما زار جيم داباكيس إيران ورجع إلى الولايات المتحدة، كتب: «إن الشعب الإيراني يعشق أميركا»، ولكن في نفس الوقت السيناتور الأميركي قد نسي أن يكتب أن حكام إيران لا يمثلون الشعب الإيراني، ولا تربطهم أي صلة بهم.
* كاتب إيراني