في انتكاسة خطيرة لتشريعات مكافحة الإرهاب داخل الولايات المتحدة، ألغت محكمة استئناف، الأربعاء، حكمًا سابقًا بتغريم منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بمبلغ 655.5 مليون دولار. ومن شأن هذا الحكم - الذي قضى بأن مكاتب التمثيل الدبلوماسي للمنظمتين في واشنطن ونيويورك ليست كافية لمنح المحاكم الأميركية ولاية قضائية بهذه القضية - خلق صعوبة بالغة أمام جهود ضحايا الإرهاب لمقاضاة منظمات إرهابية دولية، والتي عادة ما تفتقر إلى أي تمثيل رسمي داخل الولايات المتحدة.
كانت الدعوى القضائية قد تقدم بها 11 أسرة لأميركيين قتلوا داخل وحول القدس عامي 2002 و2004 أثناء «انتفاضة الأقصى».
وجدير بالذكر أن القانون الذي سمح بالتقدم بهذه الدعوى، قانون ينص على أن الأميركيين الذين يتعرضون للإصابة جراء «أعمال إرهاب دولي» يحق لهم التقدم بدعوى «داخل أي محكمة مقاطعة مناسبة» والحصول على تعويضات تعادل ثلاثة أضعاف قيمة التعويضات وأجور المحامين. وبالفعل، وافقت محكمة مقاطعة فيدرالية على النظر في الدعوى، وأصدرت هيئة محلفين قرارًا بتقديم 218.5 مليون دولار للأسر على سبيل التعويض، المبلغ الذي تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 655.5 مليون دولار.
من جانبهما، طعنت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في سلطة المحكمة الأميركية فيما يخص النظر في هذه القضية. وفي ظل العالم المثالي الذي تصوره المنظمتان، فإن السلطة الفلسطينية ينبغي التعامل معها كحكومة ذات سيادة، الأمر الذي يمنحها تلقائيًا حصانة تبعًا للمبادئ التقليدية للقانون الدولي وقانون الحصانات السيادية الأجنبية، إلا أنه مثلما أقرت محكمة المقاطعة - وكذلك محكمة الاستئناف الأميركية في الدائرة الثانية - فإن الولايات المتحدة لم تعترف بفلسطين كدولة، ما يعني أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لا يمكنهما الاعتماد على الحصانة السيادية للهروب من المسؤولية القانونية.
بعد ذلك، ثار التساؤل حول ما إذا كانت المنظمتان باعتبارهما متهمين أجنبيين من الممكن إخضاعهما لسلطة المحاكم الأميركية. بوجه عام، هناك نمطان من الولاية القضائية قد يكون لهما صلة بهذا الشأن: الخاصة والعامة.
توجد الولايات القضائية الخاصة عندما تكون هناك صلة ما بين السلوك الخاطئ محل الخلاف بالقضية والمكان الذي وقع فيه. في هذه القضية، لم تحاول الأسر الادعاء بأن هجمات القدس أو التخطيط لها جرى داخل الولايات المتحدة، وإنما طلبوا من المحكمة إقرار أن لها ولاية قضائية عامة على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لأن هاتين المنظمتين لهما صلات كافية مع الولايات المتحدة في صورة بعثات دبلوماسية. وبالفعل، وجهت أوراق القضية إلى ممثل فلسطين بواشنطن، حسن عبد الرحمن.
إلا أن محكمة الدائرة الثانية أسقطت الحكم، بناءً على أنها رأت أن المحاكم الأميركية ليس لها ولاية قضائية عامة على أي من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في ظل سوابق المحكمة العليا في إصدار أحكام ضد متهمين أجانب.
من جانبها، أعلنت الدائرة الثانية أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لا يمكن التعامل معها باعتبارهما «داخل الوطن» بوجودهما في الولايات المتحدة لمجرد أن لهما مكاتب تمثيل دبلوماسية. وفي عبارة لا شك في أن غالبية الفلسطينيين سيوافقون عليها، قالت المحكمة إن الدليل الدامغ يكشف أن المتهمين «في وطنهم» داخل فلسطين «حيث يمسكون بزمام الحكم».
ويحمل هذا الحكم تداعيات واسعة النطاق، ليس لما يقوله بخصوص فلسطين على وجه التحديد، وإنما فيما يتعلق بعمل قانون مكافحة الإرهاب بصورة واسعة.
الواضح أن الفكرة الأساسية وراء «في الوطن» هي أن الأطراف ينبغي مقاضاتها حيث تعيش، وليس حيث يكون من الميسر أمام المدعين رفع الدعوى القضائية. بيد أن هذه الفكرة تقترب للغاية من أن تكون عكس الفكرة التي يقوم عليها قانون مكافحة الإرهاب، والذي ينص على أن الأميركيين يمكنهم مقاضاة مرتكبي أعمال الإرهاب الدولي بالمحاكم داخل الولايات المتحدة.
ومع هذا، يبقى من الممكن وقوع بعض أعمال الإرهاب الدولي غير العادية داخل دائرة الولاية القضائية الخاصة للمحاكم الأميركية. على سبيل المثال، إذا جرى التخطيط لها أو تنفيذها جزئيًا داخل الولايات المتحدة. إلا أن مثل هذه المواقف ستكون قليلة ومتباعدة، وستكون خاضعة لسلطة المحاكم الأميركية حتى من دون قانون مكافحة الإرهاب. وبذلك نجد أن المحصلة النهائية تكشف عن توتر بين رغبة الكونغرس في إخضاع أعمال الإرهاب الدولي لسلطة المحاكم الأميركية وميل المحكمة العليا القوي خلال السنوات الأخيرة لتضييق نطاق القوانين والمحاكم الأميركية على الكيانات الأجنبية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
8:2 دقيقه
TT
مكافحة الإرهاب.. بين الكونغرس والمحاكم الأميركية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة