نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

عباس وهنية.. تفاؤل اضطراري

على مدى الأسابيع القليلة التي سبقت عيد الأضحى المبارك، ساد فلسطين جو من التشاؤم، جراء تصريحات معظم المسؤولين الرسميين الإسرائيليين التي أشارت، بصورة أو بأخرى، إلى أن المفاوضات الجارية بين الجانبين منذ شهرين وصلت إلى طريق مسدود.

وما زاد من حراجة الموقف، تصاعد ملحوظ في أعمال العنف بالضفة الغربية، لعل أبرزها مقتل عقيد إسرائيلي متقاعد في منطقة الغور، إضافة إلى مقتل فلسطينيين في مناطق متفرقة من الضفة.

وحين يتزايد الحديث عن وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، ويقترن ذلك بعمليات عسكرية ولو محدودة، فإن سؤالا كبيرا يرتسم على الفور ويصلح للنقاش في المنتديات..

«هل هنالك انتفاضة ثالثة على الأبواب؟».

نظرا لتكرار هذا السؤال على مدى سنوات طويلة تلت الانتفاضة الثانية، فإن كثيرين من المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين يسارعون إلى نفي هذا الاحتمال، فلا المفاوضون يرغبون في انتفاضة تخلط الأوراق وتعيد الأمور إلى ما دون الصفر، ولا الداعون لحتمية انتفاضة ثالثة وهم حماس على الأغلب، يملكون القدرة على تحويل الدعوات إلى واقع.

ومع ذلك، فإن الانتفاضة في الوضع الفلسطيني لا تقرأ مسبقا بدقة، ولكنها إن حدثت فستعلن عن نفسها، بل وستفرض نفسها على المشهد، ولا أحد يعرف حتى اللحظة متى يحدث أمر كهذا..

الرئيس محمود عباس الذي كان له موقف جذري من الانتفاضة الثانية، ولا يحب اندلاع ثالثة، وجد نفسه أمام تكثيف الاستيطان الإسرائيلي في زمن المفاوضات، وازدياد أعمال العنف في الوقت ذاته، مضطرا لأن يخالف الكثيرين من مساعديه، ممن يبشرون ليل نهار بلا جدوى المفاوضات، ويعلنون أنهم مساقون إليها بالسلاسل، ويتحدثون بمبالغة زائدة عن بدائل مخبوءة في الجيوب السرية، وأنهم بصدد استخدامها إن لم يحدث اختراق، فأعلن في حديث للتلفزيون الألماني أن المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدود، وأن إمكانيات تحقيق تقدم لا تزال قائمة اعتمادا على أن المدى الزمني لهذا الاحتمال هو سبعة أشهر، وفي هذه الأشهر السبعة يخلق الله ما لا تعلمون..

وأضاف على ذلك أن الفلسطينيين سينعمون بازدهار اقتصادي وشيك، رغم أن كثيرين من مساعديه، وربما هو شخصيا، أعلن أن توفير مرتبات آخر الشهر يمر بمأزق، مع الإكثار عن الحديث حول أن الوضع المالي للسلطة دخل مأزقا كبيرا، وأن قطاعات كثيرة من العاملين أنذرت بتوجهها نحو الإضراب إذا لم تحصل على ما تراه حقوقا بديهية لها بزيادة الراتب والعلاوات وخلافه.

الرئيس محمود عباس، ربما يكون أكثر واقعية من مساعديه في رؤية المأزق، وأحيانا الاعتراف به، لهذا سارع إلى نفي وصول المفاوضات إلى طريق مسدود خشية دفع ثمن الانسحاب منها والتوجه إلى بدائل لا يرغب فيها الأميركيون والإسرائيليون، خصوصا مع اقتراب موعد الإفراج عن الدفعة الثانية من المعتقلين الذين هم الإنجاز الوحيد الذي يمكن الحديث عنه في أمر عودة المفاوضات.

أما الازدهار الاقتصادي المحتمل، فهو أمر جرى الحديث عنه طويلا لتبرير المرونة في أمر العودة إلى المفاوضات، وعرابه بالطبع هو السيد كيري ويعاونه رجل العلاقات العامة توني بلير، حيث بدأت بشائر الازدهار الاقتصادي بإعلان كيري أن قطر، وبجهوده، أعلنت إسقاط مبلغ مائة وخمسين مليون دولار من ديونها على السلطة، مما ظنه كيري أمرا يوفر مصداقية لمساره الاقتصادي الذي لم يرَ منه شيء حتى الآن!

إن عباس وجد نفسه مضطرا لتغيير اللهجة، ومنح المفاوضات وقتها وهذا أمر مفهوم، بل وضروري في أمر معالجة الضائقة السياسية المتفاقمة، التي قد تدفع الفلسطينيين إلى لخبطة الأوراق في وقت غير ملائم، كما يرى عباس.

على الجانب الآخر من الوطن، جرى الترويج المسبق لخطاب إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في غزة، ومع أن المناسبة جديرة بخطاب وهي ذكرى تحرير أسرى شاليط.. إلا أن محتوى الخطاب كان يركز على نقطة واحدة ليس أكثر وهي إنكار مواجهة حماس لمأزق الحصار الخانق وابتعاد الحلفاء الأساسيين عنها.. وكل ما ورد في الخطاب انطلق من فرضية أن لا مأزق.. وإن وجد في خيالات البعض، فحركة حماس قادرة على تجاوزه والانتصار عليه. ووفق منطق الهروب إلى الأمام، فقد أعلن هنية بدء معركة تحرير القدس، وبشر بزحف وشيك من جاكارتا وطنجة تقوم به الأمة الإسلامية جمعاء لإنجاز هذه المهمة المقدسة، وأظهر السيد هنية تفاؤلا بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وأن الذين يصورون حماس كما لو أنها في مأزق سيكتشفون خطأهم حين يرون فعل حماس المقاوم على الأرض.

ولإعطاء أقوال الرجل مزيدا من المصداقية، فقد أعلنت «كتائب القسام» أنها المسؤولة عن بناء النفق الواصل إلى إسرائيل وأنها ستواصل العمل في هذا الاتجاه إلى أن يجري تحرير جميع الأسرى في السجون الإسرائيلية.

إن الخطاب الفلسطيني لا يزال بعيدا عن ملامسة المأزق الموضوعي الذي تواجهه الحالة الفلسطينية بإجمالها، وهذا يعني أن برنامج خروج من هذا المأزق لم يوضع بعد ولم يفكر فيه، لأن أسهل معالجة لهذا المأزق كما يبدو، هو عدم الاعتراف به، وليكن بعد ذلك ما يكون.