حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قصة من إسرائيل!

وسط تداعيات الربيع العربي في المنطقة وانشغال الدول العربية بآثارها المختلفة والمتنوعة والتي لا تزال تتواصل حتى هذه الأيام، كانت إسرائيل تواصل توغلها في توسيع مستوطناتها بالأراضي الفلسطينية المحتلة مستغلة غفلة المجتمع الدولي وانشغاله التام بأحداث أخرى تماما. ولكن ليست هذه الأخبار الوحيدة التي تأتي من إسرائيل وتستحق المتابعة بالتدبر والاهتمام، فهناك الأخبار الاقتصادية وتحديدا التألق الإسرائيلي الاستثنائي في مجال التقنية الحديثة والعالية، فاليوم هناك اهتمام عالمي غير عادي بأداء الشركات الإسرائيلية العاملة في هذا المجال، وأصبحت تسمى وادي السيلكون للعالم بأسره.

وفي دراسة لافتة قام بها أحد الخبراء في هذا المجال، وهو موجود في بريطانيا، علق بقوله: «إن مستوى الإبداع التقني في مجال الاقتصاد الرقمي الحديث الموجود في إسرائيل يقيم بعشرة، بينما لنفس الشيء في دولة كألمانيا يكون التقييم لها صفرا». وهذه شهادة مهمة جدا لأنها تعكس الشهية العالمية المفتوحة للاستثمار في إسرائيل من قبل الكثير من المحافظ والصناديق الدولية، ولكن هنا لا بد من طرح سؤال بديهي ومنطقي: «ما هو السر الموجود خلف هذه النجاحات في إسرائيل؟». الإجابة البسيطة ولكن اللافتة هي وجود المؤسسة العسكرية بثقلها وخبرتها وقوتها خلف كل ذلك، فالتقنية الحديثة التجارية التي تستفيد منها الشركات الإسرائيلية هي نتاج تجربتها وتطويرها عسكريا من قبل المؤسسة العسكرية، فهي التي كانت بمثابة دار الأبحاث والتطوير، وكل ذلك فتح شهية شركات عالمية عملاقة مثل شركة «غوغل» التي قررت شراء شركة «واز» المتخصصة في إصدارات تنظيم المرور بمبلغ مليار دولار، وشركة «فيس بوك» التي اشترت أخيرا شركة «أونافو» المتخصصة في تحجيم المحتوى المنتقل بمبلغ 120 مليون دولار، وكل ذلك وأكثر جعل شركة «أمازون» العملاقة تعلن عن إقامة مركز عملاق لها للأبحاث والتطوير في إسرائيل.

هناك قناعة كبيرة في إسرائيل أنهم لم يحصدوا حتى الآن حقيقة قدراتهم ولا إمكاناتهم، لأنهم «عجولون» ويبيعون الشركات للغير قبل أن يكون لها الحجم والمكانة المناسبة، وأن الجشع والخوف من النجاح هما السبب في ذلك. وهذا الذي جعل شركة «ترستير» الأمنية تطلب سعرا قريبا من المليار دولار مقابل بيعها لصالح شركة «آي بي إم» الأميركية العملاقة وتحصل بالفعل عليه.

الحكومات الغربية والشركات الكبرى انتبهت جدا لهذا الأمر وفتحت الاتصالات على أعلى مستوى وجعلت من إسرائيل بديلا عن الهند وماليزيا وتايون التي كانت تحتكر مع وادي السيلكون كل التقنية الحديثة والمتطورة، وباتت هذه الدول والشركات تعين سفراء للتقنية الحديثة لها لدى إسرائيل حتى تبني الجسور معها وتقوي القيمة المضافة للعلاقة مع هذه الدولة، وكل ذلك يلاحظ من حجم الحراك الجوي لرجال الأعمال المتوجهين بكثافة لإسرائيل هذه الأيام.. هناك ثلاث رحلات أسبوعية من العاصمة الصينية بكين، وثلاث رحلات أسبوعية من العاصمة الكورية سيول، وهناك أكثر من خمس رحلات يومية من أميركا، ومثلها من بريطانيا. بريطانيا هي أكثر الدول التي استثمرت في العلاقة التقنية مع إسرائيل، وهي التي رسخت التعاون مع جامعاتها وأقامت حاضنة الأعمال التقنية في إسرائيل بدعم من السفارة البريطانية هناك. القصة الأهم في إسرائيل هذه الأيام هي أنها تحولت إلى ركن أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في الاقتصاد الرقمي الجديد.