مورين دوود
TT

الجنون بالرئاسة

إنه يوم التنصيب، 20 يناير (كانون الثاني) 2017.
يبحث دونالد ترامب في أدراج المكتب عن ورقة من باراك أوباما، لكنه لم يعثر على شيء، الأمر الذي يضع ترامب في مأزق، ويدفعه إلى كتابة تغريدة عبر «تويتر» يعبر فيها عن حزنه وغضبه. كيف جرؤ أوباما على الرحيل من دون ترك الخطاب المعتاد الذي يعرب خلاله الرئيس الذاهب عن المنصب عن تمنياته بالتوفيق لمن يخلفه في البيت الأبيض.
إلا أن التغريدة التي كتبها لا تنطلق عبر الموقع. حينها راودته فكرة أن يكون السبب أمرا يتعلق بجهود تأمين اتصالات البيت الأبيض. وعليه، خلص إلى أنه سيحاول التعرف على السبب تحديدًا في وقت لاحق، ومضى في كتابة تغريداته.
كتب ترامب: «لقد نجحت، وبطريقتي المميزة. لقد زعموا أنني شخص خطير ومجنون وخائن ومصدر تهديد للأمن الوطني ومرشح سيبيريا في الانتخابات. كان مصدر هذه الأقاويل هيلاري ومايكل موريل، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) الذي قدم الاستخبارات المعيبة التي ساعدت على توريطنا في حرب العراق ـ التي عارضتها منذ البداية، رغم أنني قلت عكس ذلك - والذي وصفني بأنني (عميل الاتحاد الروسي)».
«لقد سادت حالة من القلق الشديد النخبة السياسية لتخوفهم مما يمكن أن يحدث لو أنني وضعت إصبعي الصغير على الزر النووي. بالمناسبة، ما هو هذا الزر؟ هل المقصود أمر يتعلق بكرة القدم؟ ما من أحد يعرف كرة القدم أفضل مني. لقد اعتدت لعب كرة القدم، بل كان لديّ فريق كامل. ولو أنني عثرت على كرة القدم هذه، سأصوبها مباشرة إلى ميكي بلومبرغ الصغير. دعونا الآن نتحدث عن هذا الخائن».
«كان مايكل بلومبرغ هو من أثار موجة الحديث المجنون عني باعتباري شخصا مجنونا داخل المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، بعد أن كان ينهال عليّ بالقبلات طيلة الوقت وحديثه عن الشخصية الكاريزمية القوية التي أتمتع بها. وجميعنا نعلم جيدًا أنه لا يطيق هيلاري. لا بد أنها وعدته بتولي حقيبة وزارة الخزانة».
«سأعثر على أسلحتي النووية في غضون دقيقة، لكن عليّ أولاً كتابة عفو لميلاني لانتهاكاتها لقانون الهجرة قبل أن تتمكن من تسلق الجدار الجديد. من كان يتخيل أن صورة عارية للسيدة الأولى الجديدة ستثير مشكلة بخصوص ما إذا كان لديها فيزا؟».
«هناك كثير من الأمور للقيام بها. ولحسن الحظ أنني أتمتع بأفضل عملية تمثيل غذائي. إنني بحاجة لاختيار أعضاء الحكومة، وأنوي اختيار إفانكا وزيرة للخارجية، بينما سأعطي حقيبة الدفاع لتيفاني، لأنني أنوي إبقاء المناصب داخل الأسرة. ونظرًا لأن أبنائي الذكور يعشقون حياة البراري، سأعطيهم حقيبة الداخلية، بحيث يتمكنون من تهديد بضعة أجناس جديدة بخطر الانقراض. أما رودي ونيوت وكريس، فيمكنهم التشاحن حول الفتات المتبقي».
«إنني أملك الحالة المزاجية المثالية لهذه الوظيفة. في الواقع، أملك الحالة المزاجية المثلى من بين جميع الحالات المزاجية بالعالم، لأن هذا المنصب يتطلب منك التعرض لضغوط والعمل تحت وطأتها. وأعتقد أن الضجة التي أثيرت حول مدى صلاحيتي لتولي هذا المنصب كانت ظالمة. وقد بلغت هذه الضجة حدًا هائلاً دفع كلا من دكتور فيل ودكتور درو للظهور على التلفزيون لتحليل ما أطلقا عليه اضطراب الشخصية النرجسية لدي».
«قالوا إن هذا يحدث عندما يمتد شعور الإنسان بجنون العظمة والقوة، وهما مشاعر طبيعية خلال فترة الطفولة، إلى فترة البلوغ. وقالوا إن أعراض ذلك تتضمن الحاجة المفرطة لإبداء الآخرين إعجابهم بالمرء، وشعوره بالتعاطف مع مشاعر الآخرين، وولعه بالحصول على السلطة والنجاح، والرغبة في استغلال الآخرين من حوله».
«لكن هل يبدو أي من هذا على صلة بي؟ إطلاقًا، وإنما تبدو هذه الصفات أقرب إلى بيل كلينتون وتيد كروز».
«وقد بلغ الجنون بشأن جنوني المزعوم ذروته في أغسطس (آب)، عندما عاود الكونغرس انعقاده لتمرير تشريع يلزم المرشحين الرئاسيين بالخضوع لفحص طبي نفسي. وكان الجمهوري بينديكت أرنولد الراعي الرئيسي لهذا المقترح، لذا أطلق عليه (قانون فليك)».
«العجيب أن الكونغرس لم يجد مالاً كافيًا لمحاربة فيروس زيكا، لكنه وجد سبيلاً لإجباري على الخضوع لـ(اختبار رورشاخ) النفسي. وقد نجحت في اجتياز الاختبار بنتيجة مذهلة، تعد الأفضل من نوعها. وأخبرت تلاميذ فرويد أني جميع نقاط الحبر تشبه الصورة المألوفة لأميركا».
«ومثلما قال طبيبي، فإنني أفضل رجل من الناحية الصحية ترشح للرئاسة. وقد ترشحت لهذا المنصب بوصفي رجلا حقيقيا، وإن كنت معترفًا بأن الأمور كانت تخرج عن المنطق أحيانًا، مثلما حدث عندما طردت فتى من مؤتمر انتخابي خاص بي، كما أصابني التوتر بخصوص فيديو إيران، إضافة إلى دخولي في عراك مع أسرة تتقلد النجمة الذهبية، وسخرت من بول ريان وهاجمت جون ماكين، علاوة على إثارتي غضب الأميركيين من أصول أفريقية، ناهيك عن أصحاب الأصول اللاتينية والنساء والشباب والجمهوريين».
إن شبكة «سي إن إن» التي تعمل وكأنها شبكة أخبار كلينتون الخاصة و«إم إس إن بي سي» و«نيويورك تايمز» الفاشلة، جميعها متحيزة على نحو بالغ يجعلك تشعر وكأن هيلاري هي من فاز بالرئاسة، وليس أنا، فما تزال أخبارها تهيمن على أخبار وسائل الإعلام».
«لقد تنامت ثقة كلينتون صاحبة الطرق الملتوية بنفسها على نحو مفرط لدرجة دفعتها للانسحاب من ولايات مثل فيرجينيا وكولورادو في أغسطس، في وقت لم تكن حملتي قد بدأت هناك بعد».
«لقد شعر أفراد أسرتي وأصدقائي بالقلق عليّ عندما أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيتي في أغسطس، وظنوا أنني لن أتمكن من التعامل مع هذا الأمر، وساورهم القلق من أن يتحول مسار حملتي من الفوز إلى الخسارة، لكنني كنت على علم بأن استطلاعات الرأي تلك زائفة. والدليل أن الأفراد البيض الذين لم ينالوا قسطًا كافيًا من التعليم، استمروا في التدفق على مؤتمراتي الانتخابية، وكنت موقنًا بأنهم سيمضون في مساندتي».
«وبفضل هؤلاء الحاقدين، غمرتني سيول من مشاعر الحب والدعم التي طمأنت قلبي. لقد صدقوني وآمنوا بكلامي عندما أخبرتهم أن الاقتصاد تهاوى إلى الحضيض، رغم أن الإحصاءات الخاصة بالوظائف والأجور تكشف خلاف ذلك».
وهنا، رفع ترامب رأسه على صوت الباب يفتح، وكان يتوقع رؤية مايك بنس، لكنه بدلاً عن ذلك وجد اثنين من الممرضين يرتديان معاطفين بيضاوين قادمين لاصطحاب المرشح الرئاسي السابق الذي مني في الانتخابات بهزيمة تاريخية أمام هيلاي كلينتون، بعد أن قضى الخريف بأكمله في العلاج في ظل بنود «قانون فليك». وبذلك فإنه بعد صرخاته «احبسوها!»، اتضح أنه هو من يتعين احتجازه بعيدًا عن الناس!
* خدمة «نيويورك تايمز»