جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

شيشة بـ600 سيجارة

السياحة ألوان وأشكال ولا تخلو من الغرابة في بعض الأحيان، فلديك السياحة الموسيقية، والسياحة العلاجية، والسياحة الطبية، والسياحة التجميلية والسياحة الرومانسية.. وهلم جرا. ولكن.. أغرب سياحة برأي هي سياحة الشيشة، نعم الشيشة أو «النرجيلة» أو «الأرغيلة»، فهذه السياحة معترف بها في الأوساط العربية، وهي آخذة في التوسع وهي مصدر رزق لا يستهان به لأصحاب المقاهي والمطاعم في أوروبا، إذ يصل سعر الشيشة للفرد الواحد إلى 30 جنيها استرلينيا (حوالي 50 دولارا أميركيا) وهناك مدة معينة تخول الزبون الجلوس على الكرسي خارج المقهى (بسبب قانون منع التدخين في الأماكن المغلقة)، مع إمكانية رشوة النادل لتأمين طاولة وكرسي من دون الحاجة للانتظار.
هناك نسبة كبيرة من السياح الشرق أوسطيين الذين يبحثون في سفرهم على مقاهي الشيشة، وليس على معلم سياحي، عمره من عمر التاريخ.
وأذكر هنا حادثة حصلت معي منذ سنتين، عندما التقيت بصحافي عربي يزور لندن في رحلة عمل، وعندما علم بأني أعيش في لندن، بدا مهتما بالتحدث إليَّ، وتبيّن لي بعدها بأنه في حاجة إلى دليل سياحي مختص بالشيشة، ولسوء حظه فأنا لست من المدخنين، إنما أنا من أنصار اختبار كل ما هو جديد عليّ وعلى ثقافتي أثناء السفر، وإلا.. فلا حاجة ولا داعي للسفر.
أنا لا أنتقد المدخنين، ولكن عندما تقرأ دراسة نشرت تفاصيلها أخيرا، تشعر بالرهبة والرعب والقلق على أجيالنا الصاعدة. فبحسب الدراسة، تدخين شيشة واحدة توازي تدخين 600 سيجارة، والعرب يعتقدون بأن الشيشة هي جزء من ثقافتهم، وهذا ربما يكون صحيحا، وأنا لا أعارض هذا، ولكن الثقافة وأساليب الحياة والتقاليد، لا بد من تعديلها، عندما يتعلق الأمر بالصحة والأمراض.
ففي الماضي لم يكن هناك الكثير الذي يمكن فعله لتمضية الوقت، فكان أجدادنا يختارون تدخين الشيشة في المجالس، ولكن اليوم اختلفت الأمور وأصبحت الدقائق في ساعات اليوم غير كافية لمواكبة التقدم والتكنولوجيا والمعرفة.
هذا الأسبوع ستعقد جامعة نيويورك في أبوظبي محاضرات للقيام بأبحاث مكثفة، للتوصل إلى حل لهذه المشكلة في المستقبل. وبحسب دراسة قام بها باحثون في الجامعة الأميركية في بيروت على 43 مدخن شيشة لمدة ساعة، تبيّن بعدها بأن معدل السموم في أجسامهم عالية جدا، تصل إلى 119 ليترا.
تدخين الشيشة والتحذير من أضرارها ليس بالأمر الجديد، ولكن ما هو جديد.. هو رسم صورة الشيشة وكأنها معلم سياحي، لا بد من زيارته أو اختباره، وفي كل مرة تبحث فيها على صورة للشباب العربي على الانترنت، تطالعك صورة شباب وشابات يدخنون الشيشة على أشكال الشمام والبطيخ وبنكهات الفواكه.
الشيشة هي أسوأ من السيجارة، وتضر بصحة رفيق المدخن وليس فقط المدخن، ولا يجوز بأن تتحول إلى سياحة يبحث عنها العربي في كل بلد يزوره، فهناك العديد من السياحات المفيدة التي تبقى في الذاكرة.. حتى لا تصبح أنت في الذاكرة.