مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أنا والتفاحة في زحمة

في ساعة متأخرة من إحدى الليالي استيقظ الملياردير (شونلر) بينما كان نائمًا في الفندق الذي يملكه في نيويورك، وقد شعر حينئذٍ برغبة جارفة في أن يأكل تفاحة فارتدى روب الحمام، وهبط إلى مخزن الفندق فوجده مغلقًا.
ورفض حراس الفندق أن يصدقوا أن شونلر يمكن أن يتجول حول المطبخ وهو يرتدي روب حمام عتيقًا رث المظهر، فطلبوا منه الانصراف فورًا وإلا ألقوا به في الخارج، معتقدين أنه لص يشبه رئيسهم.
وفي طريق عودته إلى غرفته، التقى بأحد موظفيه، فأبلغه ما حدث له، وسرعان ما انتشر الخبر بين كل خدم الفندق، فأسرعوا بفتح أبواب المخازن على مصاريعها، وخرجت منها الصواني الفضية اللامعة، وأفخر الأواني البلورية وأدوات المائدة الذهبية والزهور والفواكه من مختلف الأصناف.
وقال (الملياردير) بأسى - لقد كان كل ما أريده تفاحة واحدة أستطيع أن أقشرها بمطواتي القديمة، أما الآن، فقد ضاعت شهيتي! - انتهى.
ويا سبحان الله ما أكثر هذا التشابه أو التطابق بيني وبين هذا الملياردير، من ناحية غرامنا بالتفاح فقط لا غير.
فالتفاحة - من وجهة نظري - هي ملكة جمال الفواكه المتوجة من دون منازع، ولا أشبهها إلاّ بملكة جمال العالم أو الكون من النساء. وفي بعض الاعتقادات غير الصحيحة أنها (هي وحواء) من أخرجتا آدم من الجنة، وأصدقكم القول لو أنني كنت على حبل المشنقة وطلب مني أن أتمنى أمنية وحيدة وأخيرة، لقلت لهم دون تردد: أريد ملكة جمال الفواكه، لا أريد شيئًا غيرها.
إنني منذ سنوات لا أشتري التفاح إلاّ بنفسي، وأذهب مرة واحدة بالأسبوع إلى بائع فاكهة أتعامل معه منذ سنوات، وإذا وصلت له في الصباح، فما إن يشاهد وجهي حتى يهتف قائلاً: يا صباح التفاح، وإذا شاهدني في المساء يهتف قائلاً: يا مساء التفاح.
وللمعلومية فهذه الفاكهة هي عدة أنواع وأشكال وألوان، وأفضل نوع عندي هو ما يسمى بالـ(بِنك ليدي)، ويأتون به من دولة (تشيلي) وهي موطنه الذي هجنوه فيه.
ومع الوقت أصبح لديّ نوع من الخبرة، بحيث أنقر على التفاحة بإصبعي عدة نقرات، ومن صدى الصوت الذي أسمعه أميز الطيبة منها.
وفي كل ليلة قبل أن أسلم روحي للنوم، أتلذذ (بالمحلسة) عليها، ثم أسمي عليها وأفشخها - أي أقطعها بالسكين نصفين ثم أقشرها وأذهب معها في ملكوت الرحمن.
واكتشفت لو أن ظروفي حدتني مضطرًا ولم أتناول تفاحة، تكون ليلتي تلك كلها ممتلئة بالكوابيس.